نبي الله
المسيح عيس ابن مريم
عليه وعلي أمه السلام
نذرت أم مريم ما في بطنها لخدمة بيت المقدس .
فلما وضعتها أنثي قالت ربي إني وضعتها أنثي – والله أعلم بما وضعته – وليس الذكر كالأنثى.
أسمت حنا ابنتها مريم ، ودعت الله أن يحفظها وذريتها من الشيطان الرجيم .
استجاب الله تعالي لأم مريم وجعلها أفضل نساء العالمين : ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً ) " آل عمران : 35 " .
كان والد مريم عالماً من علماء الدين ، وصالحاً تقياً وكذلك كانت أمها ، فلما مات أبوها قبل ولادتها تسابق الجميع لكفالة مريم وتربيتها .
كان زوج خالتها هو نبي الله زكريا ، فأراد أن يكفلها وقال إنه أحق بها لقرابته لها .
اتفق العلماء وزكريا معهم علي إجراء قُرعة من يفوز برعايتها فأحضروا أقلاماً وكتب كل منهم اسمه علي قلمه وألقوها في البحر وقالوا : القلم الذي يظهر في عكس الأقلام الأخرى علي سطح الماء يكون صاحبه هو كفيلها . فظهرت القرعة لصالح زكريا ، فأعادوا مرتين وفي كلتا المرتين يظهر قلم زكريا فاستسلموا وأعطوها له .
عاشت مريم في المعبد في مكان خصصه لها زكريا وتعهدها بالرعاية والإكرام .
كانت مرين في المحراب تتعبد فنادتها الملائكة : إن الله اصطفاك واختارك واصطفاك علي نساء العالمين ، واختصك بأمومة عيس ابن مريم ، يا مريم اسجدي لربك وصلي له . ( يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين ) " آل عمران : 42 " .
فقالت مريم متعجبة : كيف يكون لي ولد وأنا غير متزوجة وأنا طاهرة ؟
فقالت لها الملائكة : إن هذا أمر الله ، إن الله يخلق ما يشاء ، وإذا أراد سبحانه شيئاً أوجده ، إنما أمره أن يقول له كن فيكون .
بشرت الملائكة مريم بمولود يخلق بكلمة من الله هو المسيح عيس ابن مريم ، وجيهاً في الدنيا ، يعطيه الله في الدنيا النبوءة والإنجيل والطهارة والنقاء ، وهو في الآخرة من صفوة الأنبياء المرسلين .
يكلم الناس في المهد ويعلمه الله الكتاب والحكمة والتوراة ويرسله بالإنجيل إلي بني إسرائيل .
وجدت مريم ذات يوم ضوءاً ينير المحراب حولها نوراً وبهاءً إذ جاءها الروح الأمين جبريل عليه السلام فتمثل لها بشراً سوياً .
قالت مريم : ( إني أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقياً ) " مريم : 18 " .
قال الروم الأمين : ( إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً ) " مريم : 19 " .
فقالت مريم : كيف يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ، وأنا طاهرة شريفة .
قال الروح الأمين : لقد خلق آدم من غير أبوين ، ومثل عيسي عند الله كمثل آدم ، فعيس وجد من غير أب ، لأنه سيخلق بكلمة من الله يلقيها إلي مريم هي كلمة ( كن ) .
حملت مريم بعيس عليه السلام ، واعتزلت الناس وذهبت إلي مكان بعيد ، جلست تحت نخلة ، فأحست بآلام الوضع ، فقالت وهي تتألم مما سيقوله عليها قومها ومن آلام الوضع : ( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ) " مريم : 23 " .
أخذت مريم تحدث نفسها وهي خائفة مما سيقوله الناس عنها .
( فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً . وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً . فكلي واشربي وقرى عيناً ) .
أكلت مريم من النخلة الرطب ، وشربت وحملت وليدها ، وعادت إلي قومها .
لما عادت مريم إلي قومها تحمله نظروا إليها متعجبين مستنكرين ، قالوا لها : ما هذا يا مريم ؟ ماذا فعلت ؟ لقد كان والدك رجلاً فاضلاً ، وأمك سيدة شريفة طاهرة ؟
فأشارت إليه ، فقالوا لها : هل تسخرين منا ؟ كيف نكلم طفلاً صغيراً رضيعاً ؟
قال عيس عليه السلام : إني عبد الله : آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً .
قيل : إن الأصنام سقطت من مشارق الأرض ومغاربها يوم مولده ، وإن الشياطين علمت بمولد عيسي ، وكانت الملائكة حوله وهو في حجر أمه وظهر نجم عظيم في السماء . وكان ملك الفرس قد سأل الكهان عن هذا الطفل ؟ فقالوا له : إنه سيأخذ ملكك يا مولاي .
وذات يوم جاء مريم من يطلب منها أن تحمل وليدها وتخرج إلي مصر حتى لا يقتلوه . فخرجت مريم ، وجاءت بعيس إلي مصر ، وعاشت فيها حتى أصبح عيس صبياً .
وسكنت مريم عند رجل فقير وسرق أحدهم منه قليلاً من المال ، فقام عيسي وهو صغير فدل علي الرجل السارق .
وكان وهو يلعب مع الأطفال من سنه يخبرهم بما ادخرت لهم أمهاتهم في البيت من الطعام والشراب فذا صيته ، أنه طفل مبارك .
قيل : إنه لما بلغ السابعة من عمره أرسلته أمه ليتعلم الكتابة والقراءة فسأل عيسي معلمه:
قل لي ما معني أبجدية ( يعني بداية حروف أ ، ب ، ت ) ؟
فقال المدرس : لا أعلم .
فقال له : كيف لا تعلم وأنت سوف تعلمني وتعلم الأطفال ؟
ثم قال له : يا سيدي : الألف آلاء الله ( نعم الله ) والباء بهاء الله ، والجيم جلال الله وجماله .
جاء الأمر بعودة مريم إلي بيت المقدس ، وعادت .
وكبر عيسي ، وبدأ يدعو الناس إلي عبادة الله الواحد الأحد ، فقال للناس : إنس رسول الله إليكم أدعوكم إلي عبادة الله الواحد ، وترك ما تفعلون من السيئات والمنكرات ، والذنوب التي تغضب ربكم ، فلم يستمعوا له .
فقال لهم : إنني جئتكم بمعجزات من ربي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله ، وأشفي المرضي بإذن الله ، وأحيي الموتى بإذن الله .
فقالوا : دعنا نرى ما تدعي فإن فعلت ما تقول نصدقك ونؤمن بك .
فأمسك عيسي قطعة من الطين وشكلها علي شكل الطير ثم نفخ فيها فأصبحت طيراً بإذن الله.
تسابق الناس حول عيسي ليروا معجزاته ، وتوافد عليه الأعمي والأبرص والمرضي ، فكان إذا وضع يده الشريفة علي عين أعمي عاد البصر إليها بأمر الله .
فقال له احدهم : لي قريب مات فإذا أحييته ، صدقناك جميعاً ، فنادى عيسي علي الميت ، فقام من موته بإذن الله وخرج أمامهم من قبره .
ولكنهم مع ذلك كله لم يؤمنوا وتركوه ومضوا وقالوا : ساحر .
( فلما أحس عيس منهم الكفر قال من أنصارى إلي الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) " آل عمران : 52 " .
نزول المائدة من السماء
آمن مع عيس بعض الناس الفقراء الضعفاء ، وكان الحواريون تلاميذ السيد المسيح .
صام الحواريون ولم يجدوا طعاماً فقالوا لعيسي : هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ؟ !
قال عيس عليه السلام : اتقوا الله .
قالوا : نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أنك قد صدقتنا ، ونكون عليها من الشاهدين .
قال عيسي : ( اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ) .
استجاب الله لعيسي ابن مريم وأنزل لهم مائدة عظيمة جداً .
قال عيسي : اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها فتنة علينا .
أيد الله عيسي بالمعجزات الكبيرة ، ولم يؤمن اليهود بما جاءهم به ، بل أخذوا يكيدون له ويحرضون عليه للتخلص منه .
أخذ الرومان يبحثون عنه وكان من أتباع السيد المسيح تلميذ خائن وشي به فألقي الله العظيم شبه عيسي عليه ، فقبض عليه وصلب وكتب الله لعيسي النجاة . ( وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه ) " النساء : 157 " .
وهو من الأنبياء أولي العزم .
العظة والاعتبار
1- التقوى والإيمان بالله وسيلة للرزق كما كانت مريم ترزق بالطيبات من الرزق في المحراب.
2- معجزة المسيح وكلامه في المهد .
3- معجزات المسيح : شفاء المرضي ، وإعادة البصر إلي الأعمى ، وإحياء الموتى بإذن الله .
4- الدعوة إلي دين الله ونصرته : حين قال عيسي للحواريين من أنصارى إلي الله ، وأظهروا إيمانهم مهما كانت التضحيات .
الإيمان والتضحية العظيمة التي قال فيها الله سبحانه لنا : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيس ابن مريم للحواريين من أنصارى إلي الله . قال الحواريون نحن أنصار الله )
" الصف : 14 " .