يوم الزينة
اجتمع الناس من كل مكان جاءوا وتوجهوا إلي الموعد المحدد ، وحضر فرعون وقومه وجاء السحرة ، وأتي موسي .
قال السحرة لموسي : أتلقي أنت أم نحن .
قال لهم موسي : ألقوا أنتم أولاً .
قال السحرة : بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون .
قال موسي : ( ويلكم لا تفتروا علي الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ) .
ووقف يعظهم وينهاهم عن هذا القول الكاذب ، والإفك المبين .
[ نزل الروح الأمين جبريل عليه السلام وقال لموسي : ترفق يا موسي بأولياء الله ، فقال له موسي : من هم أولياء الله ؟ قال جبريل عليه السلام : هؤلاء السحرة هم أمامك الآن وآخر النهار هم في الجنة ] .
فلما ألقي السحرة عصيهم وحبالهم بهروا أعين الناس وجاءوا بسحر عظيم ، وامتلأ المكان بالحيات والثعابين .
أحس موسي بالخوف . قال تعالي : ( لا تخف إنك أنت الأعلى . وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتي ) " طه : 68 ، 69 " .
فألقي موسي عصاه فإذا هي ثعبان ضخم جداً أخذ يأكل كل ما صنعه السحرة ، وكل ما ألقاه السحرة . ثم تحرك الثعبان نحو موسي فمد موسي يده فتحول الثعبان إلي عصا من جديد .
تأكد السحرة أن ما فعله موسي ليس سحراً ، بل هي معجزة لا يأتي بها إلا إله عظيم .
نظر السحرة إلي ما حدث فسجدوا لله رب العالمين ( وألقي السحرة ساجدين . قالوا آمنا برب العالمين ) " الأعراف : 120 ، 121 " .
آمن السحرة أنا ما جاء به موسي هو معجزة من عند الخالق العظيم .
جن جنون فرعون وقال للسحرة : إنه كبيركم الذي علمكم السحر ، سوف أنتقم منكم ، ولسوف أقطع أيديكم وأرجلكم من خلاف .
قال له السحرة : لن نفضلك علي الإيمان بربنا وعلي ما رأينا من المعجزات ، إننا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر .
أمر فرعون بصلب السحرة جميعاً ، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم ازداد فرعون كفراً وعناداً وعلواً في الأرض بغير حق .
أخذ فرعون وجنوده يقتلون أبناء بني إسرائيل ، ويستحيون نسائهم ويؤذون شيوخهم .
ولما اشتكي بنو إسرائيل إلي موسي ما يجدونه من فرعون ، قال لهم : استعينوا بالله واصبروا .
أراد فرعون أن يقتل موسي ، وكان من أهل فرعون رجل صالح مؤمن يكتم إيمانه فوقف بينهم يحذرهم ويدعوهم ليصدقوا بما جاء به موسي وهو الحق من الله لهم : إني أخاف عليكم عذاب الأمم السابقة مثل قوم نوح وعاد وثمود ، إن لم تصدقوا موسي فدعوه وشأنه فإن كان صادقاً ينالكم خير مما يكتسبه موسي من إيمانه ، وإن كان كاذباً فلن يضر أحداً إلا نفسه .
فعلموا أنه مؤمن فأرادوا قتله فأنجاه الله منهم .
ولكن فرعون وقومه استمروا علي جحودهم .
جاءتهم آيات الله ، سنوات من الجدب ، جف الزرع وجف لبن الماشية ونقصت الثمار فلم يرتدعوا عن جحودهم وتكذيبهم وكفرهم .
وذهبوا إلي موسي قالوا له : ادع لنا ربك يرفع عنا الجفاف ونحن نرسل معك بني إسرائيل ، ودعا موسي ورفع الله عنهم القحط فلم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فأرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، وطلبوا من موسي في كلا آية أن يدعو الله لهم ، ولم يوفوا بعهدهم .
جاء أمر الله لموسي بالخروج ببني إسرائيل من مصر .
فلما خرجوا اتبعهم فرعون وجنوده .
أمر الله موسي أن يضرب بعصاه البحر فانفلق نصفين وأصبح فيه طريقاً جافاً يابساً في وسطه . فعبر موسي ومعه بنو إسرائيل جميعاً .
فأخذ فرعون وجنوده يجرون وراءهم فانطبق عليهم البحر وأغرقوا جميعاً ( وحاق بآل فرعون سوء العذاب . النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) " غافر : 45 ، 47 " .
بعد نجاة بني إسرائيل مضي موسي بقومه ، وفي الطريق وجدوا قوماً يسجدون لأصنام يعبدونها . فطلبوا من موسي أن يجعل لهم إلهاً مثل تلك الآلهة ليعبدوه ، أخذ موسي العجب وقال لهم : اتقوا الله ألا تعلمون .
وأخذ يكرههم بما كرمهم به سبحانه وتعالي .
وفي الطريق إلي بلاد الشام وصلوا إلي صحراء سيناء لم يجدوا لا زرع ولا ماء ، أكرمهم الله وأنزل لهم طعاماً حلو المذاق ، المن والسلوى أي العسل والسمان . وأمر الله موسي أن يضرب الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً بالماء العذب كان بنو إسرائيل اثني عشر سبطاً
( أي قبيلة ) كل قبيلة منهم لها عين ماء تشرب منهم .
لكنهم سئموا من العسل والسمان ، وطلبوا من موسي أن يدعو الله أن تنبت لهم الأرض البصل والثوم والقمح والعدس والفول .
صام موسي أربعين يوماً وصعد الجبل إلي ميقات ربه فكلمه الله وأنزل عليه ألواح التوراة وفيها الوصايا العشر .
قبل صعود موسي إلي الجبل كان قد استخلف أخاه هارون علي القوم .
وعند نزول موسي من الجبل أخبره الله أن قومه قد ضلوا ، وعبدوا العجل .
عاد موسي حزيناً متحسراً علي ما حدث من القوم وأمسك برأس أخيه ولحيته يوبخه ويشده ، كيف سكت علي هذا الكفر الذي حدث من بني إسرائيل .
طلب منه هارون أن يترك لحيته ورأسه يحدثه ويقول له : إنه خشي أن يتفرقوا ويتركوا المكان ويذهب كل منهم في طريق فتقول لي فرقت بين بني إسرائيل .
استمع موسي لهارون وهو يحكي له قصة العجل ، قال : إن السامرى صنع لهم من الذهب الخالص عجلاً يصدر صوتاً قال لهم – قبحه الله – هذا هو إلهكم فاعبدوه ، فعبدوه .
توجه موسي إلي الله ودعا علي السامرى أن يعيش منبوذاً لا يمسه أحد ولا يقترب منه أحد ، فكان إذا مسه أحد يتألم ، فإذا قابل إنساناً قال له السامرى : لا مساس ، وفي الآخرة له عذاب أليم .
ثم امسك موسي بالعجل وألقاه في النار ثم ألقي رماده في البحر .
قيل : لما أخذ موسي الألواح ألواح التوراة ، وأخذ يتلوها عليهم قالوا له : إذا كانت سهلة سوف نقبلها ونعمل بها .
قال موسي : بل تقبلونها كما أنزلها لكم الله .
ظلوا يجادلونه وهم مصرون علي رأيهم . فأمر الله الملائكة فرفعت من فوق رؤؤسهم الجبل كأنه سحابة ، وقيل لهم : سوف يسقط الجبل عليكم إن لم تقبلوها كما أنزلت فقبلوها ، فأمروا بالسجود فوضعوا خدودهم علي الأرض وعيونهم تحدق في الجبل وهو فوقهم رعباً وهلعاً .
أمر موسي علماء بني إسرائيل أن يستغفروا الله علي عبادة العجل واختار منهم سبعين رجلاً . ولما خرج بهم موسي إلي ميقات حدده الله ، فرأوا غماماً ، وكلم الله موسي وسمعوا معه ، لكنهم طلبوا أن يروا الله جهرة فأخذتهم صاعقة فماتوا .
فدعا موسي الله أن يحييهم فأحياهم ، واستغفروا الله .
قصة البقرة
قتل أحد الأغنياء ولم يعرفوا من القاتل .
فذهبوا إلي موسي يسألونه في أمر هذا القتيل .
فأخبره الله أن يأمرهم أن يذبحوا بقرة ويأخذوا قطعة منها ويضربوا بها القتيل فيحيا بأمر الله ويخبر عن قاتله .
فجادلوا موسي في أمر البقرة ما لونها ما شكلها ، إن البقر تشابه علينا ثم في النهاية ذبحوها وما كادوا يفعلون ، وأخذوا ذيل البقرة وضربوا به القتيل فرد الله إليه الروح وقام وأخبرهم عمن قتله ثم مات ثانية .
أمر الله موسي أن يدخل مدينة الخليل ببني إسرائيل .
قال لهم موسي : إن الله يأمركم أن تدخلوا الأرض المقدسة .
فقالوا له : لن ندخلها يا موسي لأن أهلها قوم جبارون . فلن ندخلها حتى يخرجوا منها .
فأعاد موسي لهم القول : إن الله يأمركم أن تدخلوا الأرض المقدسة وأن تحاربوا الطغاة الكفرة الجبارين .
فقالوا له : لن ندخلها يا موسي ما داموا فيها ، فاذهب أنت وربك فقاتلا أما نحن فسوف نقعد هنا .
قال موسي ( رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين . قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس علي القوم الفاسقين ) " المائدة : 25 ، 26 " .
فحرم الله عليهم دخول تلك الأرض أربعين سنة وأن يظلوا تائهين في الصحراء يلفون حول أنفسهم .
لقاء موسي بالخضر عليهما السلام
قال البخاري : خطب موسي الناس ، كان يدعوهم إلي عبادة الله الواحد الأحد ، فقال له أحدهم : من أعلم أهل الأرض يا موسي ؟
قال موسي : أنا .
فكان حق علي الله أن يعاتبه ، لأنه لم يرد العلم إلي الله علام الغيوب فقال الله تعالي لموسي : هناك عند مجمع البحرين من هو أعلم منك يا موسي .
قال موسي : يا رب كيف لي به .
قال تعالي : تأخذ معك حوتاً ( سمكة ) فتجعله في سلة ، فحينما فقدت الحوت فهو ثم ( هناك ) .
موسي والخضر عليهما السلام
سار موسي في الصحراء ومعه فتي من قومه ومعهما سلة كبيرة بها سمكة كبيرة فجلسا يستريحان بجوار البحر فغفا موسي قليلاً وقفزت السمكة من السلة إلي البحر .
ورآها الفتي فقال لنفسه : لا داعي أن أزعج موسي وأحكي له ، حين يستيقظ سوف أخبره ما كان من أمر السمكة ، ولكنه نسي أن يخبره .
فتابع موسي والفتي سيرهما حتى أحسا بالتعب والإرهاق فجلس موسي وطلب من الفتي أن يحضر له السمكة ليأكلا ، فتذكر الفتي وأخبره بأنها نزلت إلي الماء عند الصخرة .
استبشر موسي فعلم أن هناك عند الصخرة سوف يجد الخضر عليه السلام ، فعادا إلي هذا المكان من جديد .
فلما رجعا إلي الصخرة وجد موسي الخضر .
ورد في كتب التفسير : أن موسي لما وجد الخضر طلب إليه أن يعلمه مما علمه الله ، فقال له الخضر عليه السلام : لن تستطيع أن تصبر علي ما تراه فإن الظاهر التي ستراها لن تجد لها عندك التفسير المعقول ، وسترى في أعمالي ما لا تفهم له سبباً ولا تدرى له علة فلن تصبر أبداً عليه .
فرد موسي : ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً .
فاشترط عليه الخضر ألا يسأله عن شيء حتى يحدثه هو عنه .
فأعلن موسي موافقته ومضيا معاً إلي البحر ، وركبا سفينة فلقيا سفينة كان أصاحبها يعرفون الخضر عليه السلام ، ويعلمون أنه رجل صالح فلم يأخذوا منهما أجراً ، ولكن موسي رأى الخضر عليه السلام يخرم السفينة ، فأخذه العجب وقال له : لقد فعلت شيئاً مريباً ، خرقت السفينة أتريد أن تغرق بأهلها بعدما رفضوا أن يأخذوا منا أجراً ؟
فرد عليه الخضر : ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً .
قال موسي له : لا تؤاخذني ، لقد نسيت ، لن أسألك عن شيء بعدها إذا حدثتني أنت عنه .
نزل الخضر وموسي من السفينة ومشيا فلقيا غلاماً يلعب ، فأمسكه الخضر وقتله .
فغضب موسي وقال له : كيف تقتل نفساً زكية بغير نفس ، ما الذي فعله لك هذا الطفل
الصغير ؟
فنظر إليه الخضر وقال له : ألم اقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً ؟ لن تستطيع أن ترى ما يحدث وتسكت عنه ؟
تذكر موسي وعده له فقال له : سامحني لو سألتك عن شيء بعد ذلك فلا تصاحبني بعدها أبداً .
فمضيا فدخلا قرية ، وطلبا من أهلها طعاماً يأكلانه لكنهم رفضوا أن يضيفوهما ، فوجد الخضر عليه السلام جداراً يكاد يسقط ، رأى موسي الخضر يقوم بإصلاحه وترميمه وبنائه من جديد .
قال موسي : تستطيع أن تطلب منهم أجراً علي ما فعلته من أجلهم .
قال الخضر : يا موسي هذا فراق بيني وبينك سوف أخبرك بتأويل ما رأيت ولم تستطع عليه صبراً .
أما السفينة : فكان أصحابها مساكين يرتزقون منها وكان في طريقهم ملك ظالم يأخذ كل سفينة جديدة وسليمة غصباً ، فقلت : إذا خرقتها لن يأخذها منهم وسوف يصلحونها بعد ذلك ويأكلون منها وأنا لم أفعل ذلك من نفسي ولكن الله أمرني .
أما الغلام فكان والداه مؤمنين ، وكان هذا الغلام شريراً وجاحداً ، فإذا كبر سيظلم أبويه ويبغي عليهما ويسبب لهما المتاعب ، وأراد الله أن يهبهم ولداً صالحاً ، وقد قتلته خوفاً عليهما كما أراد الله .
أما الجدار فكان لطفلين يتيمين في المدينة وكان أبوهما صالحاً وضع لهما تحته كنزاً ، فأراد ربك أن يكبرا ويأخذا كنزهما ، ولو كنت تركت الجدار يتهدم لظهر الكنز وأخذه أهل القرية .
كل ذلك كان بعلم الله وإرادته ولم أفعل شيئاً إلا بأمر الله ، ذلك تفسير ما لم تستطع عليه صبراً يا موسي .
الاعتبار والدروس
موسي عليه السلام من الأنبياء أولي العزم الذين صبروا وجاهدوا في سبيل نصرة دين الله وقد صبر وجاهد كل ما لاقاه من فرعون ومن بني إسرائيل طيلة دعوته حتى وفاته .
سخر فرعون قوم موسي ، فأكرمهم الله ونجاهم منه ( وتمت كلمة ربك الحسني علي بني إسرائيل بما صبروا ) .
انتصار الحق بظهور موسي وبتأييد الله له بآياته علي السحرة .
الإيمان بالله قوة تذهب من النفس الخوف كما حدث مع السحرة ، رغم تهديد فرعون بصلبهم .
أمر الله موسي وهارون بالتحلي بالقول اللين والرقيق في بداية دعوة فرعون إلي عبادة الله .
الصبر والتوكل علي الله .
إكرام موسي بكلام الله له سبحانه .
مؤمن آل فرعون تمسك بالحق ودافع عنه فأنجاه الله .
تمرد قوم موسي وعصيانهم لأوامر الله وعقابهم بأن ظلوا في الصحراء أربعين سنة يلفون حول أنفسهم .
طلب العلم دائماً ، قوة الإرادة تتغلب علي الصعاب التي واجهت موسي في طريقه للقاء الخضر.
احترام وتوقير المعلم رغم أن موسي هو كليم الله ةنبيه ورسوله إلا أنه عرف قدر الخضر الذي علمه ، فكان إذا أخطأ اعتذر لمعلمه .
فعل الخير دون انتظار الأجر من الخالق العظيم .
والثلاث قصص التي حدثت فيها دروس مفيدة :
إكرام الله تعالي للأبوين الصالحين ( قتل ابنهما الكافر ) .
المساكين يرعاهم الله ويرزقهم ( حادثة السفينة ) .
رعاية الأيتام وحفظ حقوقهم ( قصة الجدار ) .