كليم الله
موسي عليه السلام
وهارون عليه السلام
بعد وفاة يوسف عليه السلام عاد الناس إلي الشرك وتعدد الآلهة ، وعبد الناس في مصر الفرعون ، وكانوا يعتبرونه إلهاً ، ويقدسونه ويعبدونه .
عاش بنو إسرائيل ( يعقوب ) في مصر وعملوا في كل الصناعات .
حلم فرعون أن غلاماً من بني إسرائيل سيكون سبباً في زوال ملكه ، فأمر بقتل كل المواليد الذكور من بني إسرائيل في هذه السنة .
في هذا التوقيت ، كان ميلاد موسي عليه السلام بعد إصدار فرعون أمراً بقتل الذكور .
وضعت ( يوكابد ) أم موسي ( موسي ) وجلست تترقب الجند خشية أن يأخذه ويذبحونه .
كان قبلها يكاد ينخلع من صدرها خوفاً أن يقتلوه .
ولكن الله الرحيم أوحي إلي ( يوكابد ) أن ترضعه ثم تأخذه وتلقيه في البحر ولا تخاف عليه لأن الله الرحيم سوف يرده إليها ثانية .
فصنعت صندوقاً من الخشب ، ووضعت فيه وليدها بعدما أرضعته ثم ألقته في النيل .
طلبت أم موسي من ابنتها مريم أن تتبع الصندوق لتنظر أين يذهب به الموج .
حملت الأمواج الصندوق إلي قصر الفرعون .
شاهدت وصيفات الملكة ( آسيا ) – زوجة الفرعون – الصندوق فأخذنه ثم قمن بفتحه أمام الملكة .
لما رآت آسيا الملكة موسي أحبته محبة شديدة – وضعها رب العالمين في قلب من يراه
( وألقيت عليك محبة مني ) .
أخذت آسيا الطفل وذهبت إلي فرعون في ديوان الحكم وطلبت منه أن يتركه لها لتربيه ، ليكون ابناً لهما ، لأنها كانت عقيماً لا تنجب ، والملكة كانت مؤمنة تكتم إيمانها خوفاً من فرعون وبطشه .
وافق الفرعون وأمر بتربية موسي في قصره .
موسي يعود إلي أمه
جاءت الوصيفات بالمراضع لموسي ولكنه رفضهن جميعاً .
تقدمت مريم أخت موسي منهن وعرضت عليهن أن تحضر لهم مرضعة أمينة وطيبة لطفلهم فقلن أسرعي بإحضارها .
جاءت أم موسي إلي قصر الفرعون وأرضعته – أعاده الله كما أوحي إليها برده إليها – كي تقر عينها وتسعد به .
تربي وتنشأ موسي في قصر الفرعون وهو يعلم أنه من بني إسرائيل وليس ابناً للفرعون ، وأحضروا له المدرسين والمعلمين فتعلم الحساب الفلك والكيمياء واللغات .
أصبح موسي شاباً قوى الجسم .
وخرج يوماً يتمشى في المدينة فوجد رجلين يتشاجران أحدهما من بني جنسه والآخر فرعوني .
كان موسي قوياً ، استنجد به الإسرائيلي لينقذه من المصري الفرعوني ، دفع موسي المصري بيده فسقط علي الأرض قتيلاً .
لم يكن موسي يتصور أن لكمته هذه سوف تقتل الرجل .
تألم موسي لمقتل الرجل وحزن واستغفر الله لذنبه وعاهد الله ألا يتدخل في مثل تلك المشاجرات أبداً ، فتاب الله عليه وغفر له .
أصبح موسي في المدينة خائفاً ينتظر أن يأتي إليه جنود فرعون ليأخذوه ويحبسوه .
ومرت أيام وأثناء سيره فوجيء موسي بالرجل إلى من بني جنسه يتئاجر مع رجل آخر من المصريين .
اقترب موسي لينصح الإسرائيلي بألا يتشاجر مع الناس ، فتخيل الإسرائيلي أنه سوف يضربه فيسقط قتيلاً كما حدث أمامه مع المصري الفرعوني .
فصرخ قائلا لموسي : أتريد أن تقتلني يا موسي كما قتلت المصري منذ يومين .
سمع الجميع صوت الإسرائيلي وهو يصيح بموسي ، فأخبروا الشرطة ووصل الأمر إلي فرعون .
جاء إلي موسي علي عجل رجل مصري مؤمن يكتم إيمانه ، وقال له : اخرج من مصر يا موسي لأنهم سوف يقتلونك ، فهم يدبرون لك المؤامرات بعدما علموا قصة القتيل .
خرج موسي من مصر خائفاً يترقب أن يلحقوه ويمسكوه وفي الأغلال يقيده ثم يقتلوه . ظل يسير ويسير حتى وصل إلي أرض مدين ، وهو يدعو الله أن ينقذه من القوم الكافرين .
جلس موسي تحت شجرة يستريح فرأى جماعة من الرعاة يسقون أغنامهم ، ويتزاحمون علي البئر .
ورأى فتاتين تقفان بعيداً تنتظران دوريهما .
قال لهما موسي : هل تريدان مساعدة ؟
قالت له إحداهما : إننا ننتظر حتى ينتهي الرجال من السقاية فنسقي نحن ، وأبونا شيخ كبير .
فقام موسي إلي البئر ورفع الحجر من فوقه بيده ، وسقي للبنتين .
شكرتها ومضيا في حالهما .
عاد موسي يجلس تحت الشجرة يتأمل حاله ويدعو الله ويقول : ( ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) .
نظر موسي فإذا بإحدى الفتاتين تأتي إليه وهي تخفض رأسها إلي الأرض خجلاً منه وقالت له : إن أبي يريدك ليعطيك ثمن ما فعلت من أجلنا : ( إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا )
" القصص : 25 " .
ذهب موسي إلي والد الفتاتين .
لقاء موسي بشعيب
كان الرجل الصالح والد الفتاتين هو نبي الله شعيب .
فلما وصل موسي إلي دار الشيخ والد البنتين وجده نبي الله شعيباً اطمأن قلبه وجلس يقص عليه قصته مع الفرعون وما حدث له .
قال له شعيب : لا تخف لقد أنجاك الله من القوم الظالمين .
قال موسي : الحمد لله رب العالمين .
قال شعيب : إنني أريد أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين علي أن تعطيني مهرها أن ترعي لي الغنم ثماني سنوات ، فلوا أتممت عشراَ ، فهذا منك كرم .
تزوج موسي من صافورا ابنة نبي الله شعيب وأمضي السنوات العشر في خدمة شعيب .
ثم استأذن موسي من شعيب في أن يأخذ زوجته ويرحل عائداً إلي مصر سار موسي بأهله حتى وصل إلي جبل الطور في أرض سيناء ، وفي ليلة مباركة اختص الله فيها موسي بالنبوة والكلام ، رأى ناراً ، فقال لزوجته : انتظري هنا حتى أذهب إلي هذه النار التي رأيتها ، وأحضر لنا منها قطعة تدفئنا أو نوقد عليها لنصنع لنا طعاماً .
موسي في الوادي المقدس ( طوى )
لما اقترب موسي من النار ناداه الله : ( إني أنا الله رب العالمين ) وأمره الله جل وعلا أن خلع نعليه لأنه في الوادي المقدس " طوى " تكريماً وتعظيماً لهذا المكان ، ملكت موسي الرهبة والخشية من الله .
ثم سمع الكلام الإلهي الذي هدأت به نفسه ، وسكنت ، خاطبه الله : لقد اصطفيتك للنبوة ، اعلم أنه لا إله إلا أنا فاعبدني ، وأن يوم القيامة لا شك فيه .
ثم سأله الله تعالي : ما تلك بيمينك يا موسي ؟
قال موسي : إنها العصا التي أهش بها الغنم وأتوكأ عليها ، ولي فيها مصالح أخرى .
قال الله جل علاه : ألقها يا موسي .
فلما ألقاها أصبحت تتحرك أمامه .
خاف موسي وفزع وأخذ يجرى .
فناداه الله جل جلاله : أمسكها يا موسي ولا تخف إنها لن تضرك ، سوف أعيدها عصا من جديد.
اقترب موسي من الحية بخوف وحذر وحاول أن يمد يده فلما لمسها تحولت بقدرة الرب المعبود
إلي عصا مرة أخرى .
ثم أمره الله سبحانه أن يدخل يده في جيبه ، فتخرج بيضاء من غير سوء ( اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحيك من الرهب ) " القصص : 32 " .
قيل : معناه إذا خفت ، فضع يدك علي قلبك يسكن جأشك ، أي يذهب خوفك وتهدأ نفسك .
أمر الله موسي أن يذهب إلي فرعون ويدعوه إلي عبادة الله الواحد ويريه هاتين المعجزتين الآيتين اللتين رآهما موسي لعله يصدق ويؤمن بالله .
قال موسي : يا رب أرسل معي أخي هارون هو أفصح مني ، إنني أخشي من بطش فرعون بي ، لأنني قتلت واحداً منهم . قال جل علاه : ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً )
" القصص : 33 " .
دعا موسي وهارون فرعون إلي عبادة الله الواحد الأحد ، وأن يترك بني إسرائيل يخرجون معه من مصر لأنه كان يسخرهم ويستذلهم .
سخر منه الفرعون وقال له : لقد ربيناك وأنت صغير ، وقتلت منا رجلاً وهربت ، ثم تعود وتدعي ما تقوله الآن ، إنني ما أظنك إلا كاذباً .
جادل فرعون موسي في الله ، فقال له : ما هو رب العالمين ؟
فقال موسي : إنه رب السماوات والأرض وما بينهما ، رب المشرق والمغرب .
فقال فرعون لمن حوله : ألا تستمعون أنه مجنون .
ثم أصدر فرعون أمره بناء قصر عال حتى يتطلع إلي السماء فينظر إلي إله موسي .
قال المفسرون : بعد بناء القصر صعد فرعون وصوب سهماً – كان قد غمسه – فعاد إليه ، فقال لمن حوله : لقد قتلت إله موسي .
استمر المحاولات مع فرعون ليؤمن أو يترك بني إسرائيل يخرجون من مصر غير أنه ظل يسخر ويهزأ بما يقوله موسي وهارون ، ثم طلب من موسي أن يؤكد له ما يقوله بأن يصنع أمامه معجزة تؤكد وتبرهن علي صدقه وأنه جاء من عند رب العالمين .
فألقي موسي العصا أمام فرعون ، فإذا هي ثعبان مبين وأدخل يده في جيبه وأخرجها بيضاء للناظرين .
قال الجمع من أهل فرعون : إن هذا الذي يحدث أمامنا لا يأتي به إلا ساحر عليم .
أرسل فرعون في المدينة يدعو السحرة ليظهروا علي موسي بسحرهم .
واتفق مع موسي علي موعد يوم الزينة ( يقال إنه يوم وفاء النيل ) .