نبي الله يعقوب عليه السلام
( إسرائيل )
هو يعقوب بن إسحاق ، وهما بشارة الملائكة للخليل إبراهيم والسيدة سارة ، وهو أبو أنبياء بني إسرائيل .(1)
ورد اسم يعقوب في سورة يوسف ، وحين حضرته الوفاة ، وفي آيات أخرى : ( ولما دخلوا من حيث أمرهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ) .
كما أنه ورد اسمه ( إسرائيل ) في القرآن الكريم أيضاً : ( كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل علي نفسه ) " آل عمران : 92 " .
يقول ابن كثير في قصص الأنبياء : ولد يعقوب لأبيه إسحاق مع أخ له توأم اسمه " عيصو " وهو الذى تسميه العرب " العيص " والد الروم .
هدد العيص أخاه يعقوب بالقتل لخلاف بينهما حول طعام سبقه إليه يعقوب فقدمه لأبيه فدعا له دعوة مباركة . فأمرته أمه أن يذهب عند خاله ويعيش عنده ويتزوج من إحدى بنات خاله حتى يهدأ غضب أخيه عليه .
حين خرج يعقوب عليه السلام ، حل عليه الليل في مكان فنام فيه ووضع حجراً تحت رأسه . فرأى في نومه ذلك معراجاً منصوباً من السماء إلي الأرض وإذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون، والرب تبارك وتعالي يخاطبه ويقول له : إني سأبارك عليك وأكثر ذريتك .
فلما هب من نومه فرح بما رأى ، ونذر لله لئن رجع إلي أهله سالماً ليبنين في هذا الموضع معبداً لله عز وجل ، وأن جميع ما يرزقه من شيء سيكون لله تعالي عشره . ثم عمد إلي ذلك الحجر فأحدث فيه علامة يتعرف بها عليه ، وسمي ذلك الموضع ( بيت إيل ) أي بيت الله وهو موضع بيت المقدس اليوم الذي بناه يعقوب بعد ذلك .
لما ذهب يعقوب إلي خاله رأى ابنة خاله راحيل الصغرى وكان لخاله ابنتان فطلبها للزواج .
فاشترط عليه خاله أن يرعى الغنم سبع سنوات ويزوجه راحيل ، لكن خاله زوجه ليا أخت راحيل .
فلما حدث خاله في ذلك زوجه راحيل أيضاً ، وطلب منه أن يراعي الأغنام سبع سنوات أخرى.
( جاء الإسلام الحنيف وحرم الجمع بين الأختين ) .
أنجب يعقوب من الأولاد اثني عشر ولداً . منهم يوسف عليه السلام وهو وأخوه بنيامين من راحيل . ويقال أنها توفيت بعد ولادة بنيامين .
فعطف يعقوب علي ولديه يوسف وبنيامين ، وأحبهما كثيراً فوقع الحسد بينهما وبين إخوته بسبب حب أبيهما لهما .
وانتهت المؤامرات بإلقاء يوسف في البئر ، وتحمل يعقوب فراق ابنه يعقوب سنوات طويلة طويلة . ثم حدثت المجاعة وتعرف أخوه يوسف عليه وفقد يعقوب بصره ، فلما ألقي البشير علي وجهه قميص يوسف رد إليه بصره بأمر الله .
ولما حضرت يعقوب الوفاة أوصي أولاده بالدين والمحافظة عليه : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى . قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلون ) " البقرة : 133" .
يوسف الصديق
كان يوسف أحب أبناء يعقوب إليه وكان له أحد عشر أخاً ، هؤلاء جميعاً كانوا يغارون من حب يعقوب ليوسف إلا أخاه الصغير بنيامين .
وذات صبح استيقظ من نومه وقد رأى رؤيا جميلة وعجيبة فدخل علي أبيه في حجرته وجلس إلي جواره وحدثه قائلاً : لقد رأيت يا أبي أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين .
أدرك يعقوب من تأويل تلك الرؤيا أن يوسف سيكون له شأن عظيم .
سيكون نبياً من الصالحين كما كان أبوه يعقوب وجداه إسحاق وإبراهيم عليهم جميعاً السلام .
ولكن يعقوب خشي علي يوسف من غيرة إخوته فقال له : لا تقصص رؤياك علي إخوتك فيحاولون الخلاص منك ( يا بني لا تقصص رؤياك علي إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) .
المؤامرة
اجتمع أخوة يوسف العشرة وقالوا وهم يناقشون كيفية الخلاص من يوسف :
قال أحدهم : نقتله ونستريح من حب أبينا له .
قال آخر : بل نلقي به في أرض بعيدة تأكله الذئاب ولا يستطيع منها عودة .
اعترض أحدهم وقال : لا . لا نقتله ، بل نلقيه في البئر ، فتأخذه إحدى القوافل المارة وتبيعه فنتخلص منه .
أكمل أحدهم : فإذا عدنا إلي أبينا نقول له : لقد أكل الذئب يوسف .
ثم أخذوا إلي أبيهم وأخذوا يحتالون عليه أن يعطيهم يوسف ليلعب معهم في المكان الذي يذهبون إليه .
فقال لهم يعقوب : أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه مشغلون .
فقالوا : لن نتركه يغيب عنا وسوف نحافظ عليه ، فلا تخش عليه .
ولما أخذوه ومضوا به بعيداً عن دار أبيهم أخذوا يشتمونه ويسبونه وقالوا له بعدما نزعوا عنه قميصه : سوف نلقيك في البئر .
فأوحي إليه الله جل علاه : لا تخف ، سوف تخرج وستكون في خير حال ، وسوف تخبرهم عما فعلوه بك .
بعدما تخلصوا منه بإلقائه في البئر ، ذبحوا شاة ، ولوثوا قميصه بالدم .
وانتظروا حتى حل الظلام ، ثم عادوا إلي دارهم ودخلوا علي أبيهم يبكون .
أيقن يعقوب أنهم فعلوا بيوسف شيئاً .
قالوا له : ذهبنا لنلعب وتركنا يوسف عند أشيائنا وحاجتنا لما عدنا وجدنا الذئب قد أكله .
نظر يعقوب إلي قميص يوسف وقلبه يكاد ينفطر فرأى القميص سليماً ولم يتمزق وتأكد أنهم يكذبون .
خروج يوسف من الجب
جاءت قافلة فذهب أحدهم إلي البئر ، فلما أدلي دلوه تعلق به يوسف فلما رأى الرجل يوسف صاح فرحاً : يا بشرى هذا غلام .
وأخذه إلي القافلة ، وتابعت القافلة سيرها حتى وصلت مصر ، فباعوه في سوق الرقيق (العبيد)، اشتراه عزيز مصر ( أي كبير وزرائها ) .
كانت زوجة العزيز لا تنجب ، فطلب إليها زوجها أن تهتم به وترعي شئونه عسي أن ينفعاهما ، ويكون لهما بمثابة الابن .
أكرمي مثواه
كبر يوسف في بيت العزيز ، وأحضر له الوزير المدرسين والمعلمين لأنه أحبه من أمانته وصدقه ونزاهته واستقامته ، وأصبح يوسف شاباً جميلاً ، رائع الحسن والجمال ، وعلمه الله وأعطاه حكماً صائباً .
فوقعت زوجة العزيز في حبه ، أحبته حباً شديداً .
فلبست أجمل ما عندها ، وتزينت وتجملت ، وذهبت إليه في غرفته وأغلقت الباب وقالت له : أنا لك ، فقد هيأت لك نفسي .
فقال لها يوسف : أستغفر الله ، إني أخاف الله .
وجرى نحو الباب يحاول الفرار منها ، ويحاول فتحه فأسرعت تشده من قميصه فتمزق من خلفه في يدها .
حين فتحت الباب وجدت إمراة العزيز زوجها وأحد أقاربها واقفين فأسرعت تقول لزوجها : لقد أراد الاعتداء علي ، لا بد أن يسجن ويعذب ويؤدب .
فقال يوسف : هي راودتني عن نفسي ، عرضت نفسها علي .
فقال قريبها : سوف نتأكد من الحقيقة الآن . إن كان قميصه قد تمزق من الخلف فهو صادق وهي كاذبة ، وإن كان قميصه قد تمزق من الأمام فهي صادقة وهو كاذب .
فلما رأى قميصه قد تمزق من الخلف قال : إنه من كيدكن ، إن كيدكن عظيم .
طلب العزيز من يوسف ألا يخبر أحداً بما حدث ، واتجه إلي زوجته وطلب منها أن تستغفر لذنبها التي فعلته .
النسوة يقطعن أيديهن
شاع في المدينة قصة زوجة العزيز وفتاها المغرمة به فتحدثت النساء عنها وبلغها ما يتقولن به عليها .
فأمرت بجمعهن جميعاً علي الغداء ، وقدمت لهن ألواناً كثيرة من الطعام والشراب ، ثم قدمت لهن الفاكهة ، وأعطت لكل واحدة منهن سكيناً وأمرت ليوسف أن يخرج عليهن ، فلما ظهر أمامهن .. قطعن أيديهن من حسنه بدلاً من الفاكهة التي كن يقطعنها .
وقلن جميعاً : حاشا لله ما هذا بشر ، هذا ملاك .
فضحكت منهن وأحست بالسعادة والتشفي وهي ترى الدماء تسيل من أيديهن ثم قالت له أمامهن: أرأيتن هذا الذي بهركن بحسنه ، وعاتبتني علي حبي له ؟ لقد طلبته لنفسي ، وإن لم يطعني سوف أسجنه وأعذبه .
صاحت النسوة : لماذا يا يوسف لا تطيع سيدتك .
قال يوسف : رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ويطلبن مني .
دخل يوسف السجن وفيه راح يدعو إلي دين الله .
كان معه في السجن رجلان أحدهما ساقي الملك واسمه نبو ، والآخر كان يعمل خبازاً للملك واسمه ملحب .
كان الرجلان يعلمان أن يوسف يفسر الأحلام فقص عليه كل منهما ما رآه في منامه .
فقال الخباز : لقد رأيت أنني أضع فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه .
قال الساقي : لقد رأيت أنني أعصر عنباً لأصنع منه خمراً أسقي الملك منه .
أخذ يوسف يعظهما ويدعوهما إلي دين الله الواحد وترك الآلهة المتعددة ويتحدث عن يوم القيامة والبعث .
ثم قال هما يوسف : أما أحدكما فسوف يقتل ويصلب ، وتأكل الطير منه ، أما الآخر فيخرج من السجن ويسقي الملك خمراً .
تحققت نبؤة يوسف بعد فترة قصيرة .
وصلب الخباز ، وخرج الساقي ، وقبل خروجه من السجن قال له يوسف : قل للملك إنني بريء وإنني سجنت ظلماً .
وعده الساقي أن يذكر للملك ذلك ، ولكن الشيطان أنسي الساقي يوسف وما وعده به .
فظل يوسف في السجن بضع سنين أخرى .
رؤيا الملك
رأى الملك في المنام سبع بقرات عجاف يأكلن سبع بقرات سمان .
أفاق الملك من نومه مفزوعاً ثم ارتد إلي النوم ثانية فرأى سبع سنبلات يابسات يأكلن سبع سنبلات خضر ، فأفاق من نومه ولم يستطع النوم من الحيرة والخوف ، نادى الملك من بالقصر ليفسروا له الرؤيا .
قالوا له : أضغاث أحلام ، ولا يوجد لها تفسير علي الإطلاق .
تذكر ساقي الملك يوسف الذي كان معه في السجن وأنه الوحيد الذي يستطيع تفسير هذه الرؤيا .
يوسف يفسر رؤيا الملك
ذهب الساقي إلي يوسف في السجن ، فقال له يوسف :
سوف تزرعون سبع سنين ، فتحصدون من الزرع خيراً كثيراً فدعوه في سنبله ولا تأكله منه إلا القليل ، لأنه ستأتي سبع سنوات مقفرة ليس فيها زرع ولا حرث ، كلها جفاف وفقر .
ثم يأتي بعدهن عام فيه يغاث الناس ويزرعون ويحصدون .
فلما رجع الساقي من عند يوسف إلي الملك بتأويل الحلم وتفسيره أمر الملك بإحضار يوسف من سجنه .
ذهب إليه الحراس ليخرجوه ، فقال لهم : لن أخرج حتى تتأكدوا من برائتي وتسألوا تلك النسوة عن خبرهن .
أمر الملك بإحضار النسوة ، ومعهن امرأة العزيز .
بدأ الملك يسألهن واحدة تلو الأخرى ، فأجمعن جميعاً علي أنهن لم يرين سوءاً منه وأنه كان كالملاك الطاهر .
قامت زليخا امرأة العزيز ، وقالت للملك :
الآن سوف أقول الحق ، يوسف سجن ظلماً بسببي ، والحقيقة أنه بريء وكنت أنا التي حاولت الإيقاع به ، وراودته عن نفسه .
قال الملك : ائتوني به أستخلصه لنفسي
لما أخرج يوسف من السجن بأمر الملك ووصل عنده وتكلم معه ازداد إعجاب الملك به فقال له: إنك يا يوسف سوف تكون عندي في منزلة كريمة ومكانة رفيعة علي كل شيء .
خاف يوسف أن يبطش الأقوياء بالضعفاء ويغدروا بهم كما فعل إخوته به . فقال يوسف للملك: إن السنوات القادمة ستكون فيها مجاعة ثم تعم مصر وما حولها ، ولا بد أن نستعد لهذا الموقف.
قال الملك : ليس عندي أحد أجعله أميناً علي تولية هذه المسألة ، وهي مسألة جد خطيرة وعظيمة .
قال له يوسف : اجعلني علي خزائن مصر ، فإنني دارس وأعلم كيف أحفظ الغلال والحبوب .
أحب الملك يوسف ، لثقافته ولعلمه وتدينه وأمانته ، فجعله رئيساً للوزراء ( عزيز مصر ) .
كذلك مكنا ليوسف في الأرض
( وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي . فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين . قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم . وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين . ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ) " يوسف : 54 ، 57 " .
وجاءت سنوات الخصب فخزن يوسف الفائض من الغلال ، ثم بدأت سنوات الجدب وأخذ الناس يتوافدون علي مصر ليتزودوا بالطعام والمؤنة .
وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم يوسف لكنهم لم يتعرفوا عليه لم يتصوروا أن الله تعالي قد مكن له وأنه لا يزال حياً .
وكان الملك قد غير اسمه وسماه صفنات فعينع .
فسألهم يوسف : من أنتم ؟
قالوا له : نحن أبناء نبي الله يعقوب ، ونحن اثني عشر رجلاً ، رحل عنا واحد ، ولنا أخ عند أبيه .
فقال لهم : ائتوني بأخيكم هذا ، ألا ترون أني أوفي الكيل ؟
قالوا : سوف نطلب من أبينا أن يرسله معنا ، غير أنه لن يرضي لأنه يحبه كثيراً .
فقال لهم : لا كيل لكم عندي مرة أخرى حتى تحضروه معكم .
رغم ذلك كان يوسف قد أمر معاونيه أن يضعوا لإخوته بضاعتهم التي جاءوا بالطعام علي جمالهم ، وكان قد أكرمهم وضيفهم .
عاد أخوته إلي أبيهم ، طلبوا منه أن يرسل معهم بنيامين لأن عزيز مصر سوف يزيدهم من الطعام الذي سيعطيه لهم وأكد عليهم ذلك .
قال لهم يعقوب : إنني أخاف عليه أن تفعلوا به ما فعلتموه بيوسف من قبل .
فقالوا له : لقد وعدنا العزيز أن يعطينا كيلاً زيادة فأرسله معنا ولا تخش عليه منا .
فقال لهم : لن أبعثه معكم إلا أن تقسموا بالله أن تحافظوا عليه ولا تتركوه إلا إذا حدث لكم مكروه ، فأقسموا بالله أن يحافظوا علي بنيامين .
فطلب منهم يعقوب ألا يدخلوا من باب واحد خوفاً عليهم من الحسد ، وقال لهم : ادخلوا من أبواب متفرقة .
يوسف يأخذ بنيامين
فلما دخلوا علي يوسف ومعهم بنيامين أخذه إليه وقال : إنني أخوك فلا تخف ، لكن لا تخبر إخوتك بهذا الآن .
وأخبره أنه سوف يدعي لأنه سرق حتى يستبقه معه إلي حين إحضار والديه إلي مصر ، فقبل بنيامين تلك التهمة محبة في أخيه ، وترقباً لجمع شملهم جميعاً . فأمر يوسف مساعديه أن يخفوا داخل متاع بنيامين صواع الملك ( الكأس أو المكيال ) الذي يشرب بها وكان يكيل بها القمح ، وكان مرصعاً بالجواهر .
أخذ إخوة يوسف كيلهم ووضعوها علي الجمال واستعدوا للرحيل فنادى عليهم أحد أعوان يوسف : لقد سرقتم صواع الملك ، ومن يحضره لنا سوف نعطيه مكافأة حمل جمل من الطعام .
فقالوا : نحن أبناء نبي الله يعقوب ، ونحن لا نسرق والله ما جئنا لنفسد في الأرض .
فقال المنادى : ما الجزاء إذن إذا وجدنا الصواع مع أحدكم ؟
قالوا : جزاؤه أن تأخذوه وتحبسوه عندكم ، ويصبح عندكم عبداً .
أمسك يوسف بأوعيتهم ففتشها ثم فتش وعاء بنيامين واستخرج منه المكيال ( الصواع ) .
فقالوا له : لقد سرق مثل أخيه الذي سرق من قبل ورحل عنا .
فتأمل يوسف في نفسه ما قالوه عنه واتهامهم له بالباطل ، وقال : أنتم أسوء مكانة تفترون الكذب والله أعلم إنكم تكذبون .
لكنهم تذكروا وعدهم وقسمهم لأبيهم بألا يعودوا إلا ببنيامين ، فأخذوا يترجون يوسف ويقولون له : خذ أحدنا بدلاً منه لأن والده شيخ كبير .
قال لهم يوسف : معاذ الله أن نأخذ إلا من فعل ذلك .
خرج إخوة يوسف من عنده متجهين إلي أبيهم ، فقال أكبرهم : لن أمضي معكم ولن أذهب إلي أبي لأنني وعدته ألا نعود إلا ومعنا بنيامين ، فلن أرجع إلا إذا أذن لي أبي ، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ، ارجعوا إلي أبيكم وقولوا له إن ابنك سرق ولو كنا نعلم الغيب ما كنا أخذناه معنا ، واسأل القافلة التي كانت معنا .
فلما عادوا إلي أبيهم سألهم عن بنيامين ؟ فقصوا عليه القصة ، فقال لهم : لقد فعلتم به مثل ما فعلتم بأخيه من قبل .
لم يصدقهم ، لأن من عرف عنه بالكذب لا يصدقه الناس حتى لو كان صادقاً .
يعقوب يتذكر يوسف
ويفقد بصره حزناً
حزن يعقوب حزناً شديداً علي يوسف وبنيامين ، وظل يبكي حتى فقد بصره :
( قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون ) ولكنه لم يفقد الأمل في عودتهم جميعاً يوسف وبنيامين وراويين ، فقال لهم : ارجعوا إلي مصر وانضموا إلي أخيكم وابحثوا عن يوسف .
كأن يعقوب يثق في الله .
( الثقة في الله تحي الأمل في النفوس وتذهب الأسى والغم عنها ) .
رجع إخوة يوسف إلي مصر يترجون يوسف أن يعفو عنه ، لأن والده قد كف بصره .
فقال لهم يوسف : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ؟
قالوا وقد تعجبوا بشدة : أإنك لأنت يوسف ؟
قال لهم : أنا يوسف وهذا أخي ، أحسن الله إلينا ورزقنا الطاعة والصبر علي ما كنتم بنا تفعلون.
قالوا : لقد فضلك الله علينا ووهبك ما لم يهبنا ، ولقد أخطأنا معك وها نحن أمامك فانظر ماذا تفعل بنا ، فأرفق بنا ولا تأخذنا بانتقامك منا .
قال : لن أعاتبكم علي ما مضي ، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .
ثم أمرهم أن يأخذوا قميصه ويذهبوا إلي أبيهم فيضعوه علي عينيه يرجع بصيراً من جديد ، ثم يأتوا بأهلهم جميعاً إلي مصر .
لما خرجت القافلة ، ثم بأهلهم جميعاً إلي مصر .
لما خرجت القافلة ، وصلت يعقوب رائحة يوسف فقال :
( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) " يوسف : 94 " .
فقالوا له : سنظل تذكر يوسف ، وأين هو يوسف لا وجود له .
لما وصل إخوة يوسف ووضعوا القميص علي وجه أبيهم رد بصره في الحال إليه ، بأمر الله .
فقال يعقوب لهم : ( ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ) " يوسف : 96 " .
تحقق رؤيا يوسف
أخذ يعقوب أهله وأولاده جميعاً وساروا إلي مصر .
خرج يوسف ليستقبل أباه وأخوته ، سجد إخوة يوسف جميعاً له .
( فلما دخلوا علي يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه علي العرش وخروا له سجداً وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربي حقاً ) " يوسف : 99 " .
ثم دعا يوسف ربه قائلاً : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ) " يوسف : 101 " .
أبنائي الأعزاء :
1- أرأيتم كيف إن تقوى يوسف وإيمانه بربه قد عصمه من الخطيئة .
2- وأيضاً ، صبر يوسف علي ما صنع به من إلقائه في الجب إلي دخوله السجن .
3- تخلل ذلك صموده وعفته أمام إغراء زوجة العزيز له وتهديدها إياه بالحبس ثم سجنه بالفعل، ووفاء يوسف لعزيز مصر الذي رباه .
4- قيمة نبيلة أخرى تضاف إلي قيم يوسف ( معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ) .
5- وفضيلة الإحسان ، جزاه الله علي إحسانه فأعطاه العلم والحكمة ومكنه في الأرض ، والإحسان من الأعمال الحسنة التي تجعل الإنسان محبوباً عند الآخرين ، وفي مكانة عالية وتبقي سيرته حسنة بينهم في الدنيا ، وفي الآخرة له أجر عظيم .
6- السمعة الطيبة ، رفض يوسف الخروج من السجن حتى تثبت براءته حتى لا تظل سمعته سيئة ومتهماً بالباطل محافظة منه علي حسن السمعة .
7- العفو والتسامح ، قابل يوسف إساءة إخوته بالتسامح والعفو عنهم وقد كان بإمكانه الانتقام منهم وهو الأقوى والأعز في مصر .
8- معاملة الأبناء ، لا بد للآباء من العدل بين البناء والمساواة في المحبة بينهم في جميع الأمور.