نبي الله شعيب
كان أهل مدين يعيشون في مدينة جميلة كلها بساتين وحدائق ولكنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان .
فإذا وزنوا للناس أعطوهم أقل من حقوقهم ، وإذا وزنوا لأنفسهم أخذوا زيادة لأنفسهم ، وكانوا يقطعون السبيل علي القوافل فيغيرون عليها ، ويأخذون ما معهم من أموال وبضائع . فبعث الله فيهم شعيباً نبي الله ليدعوهم إلي عبادة الله وترك عبادة الأصنام .
قالوا عن شعيب : إنه خطيب الأنبياء .
قال لهم شعيب : يا قومي أوفوا المكيال والميزان ، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها .
إنني أريد أن أصلح من أموركم لأن الله أمرني بذلك ، إن الله يأمركم أن تتركوا فعل السيئات ، وإيذاء الناس ، والإغارة علي قوافلهم ، ونقص الميزان . فاستمعوا له ، ثم تركوه ومضوا يفعلون ما ينهاهم ربهم عنه ، فجمعهم شعيب مرة أخرى وقال لهم
استغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ) " هود : 90" .
قالوا له ساخرين : أصلاتك هي التي جعلتك واعظاً لنا لنترك ما كان يعبد آباؤنا ولا نتصرف في أموالنا إلا بما تريده أنت ؟
فقال لهم شعيب :يا قومي أرأيتم إن كنتم علي بينة من ربي وأعطاني رزقاً حسناً كرماً منه ومنة،فكيف أخالف الله ولا أؤدي الأمانة ، إني لا أريد لكم إلا الإيمان وصلاح حالكم .
ثم تابع كلامه : يا قومي لا تجعلوا خلافكم معي يحملكم علي الكفر ، تذكروا قوم نوح وقوم هود وقوم صالح ، وقوم لوط ، ليس بعيد عنكم ما حدث لهم ، إن ربي غفور رحيم لمن آمن وتاب .
فردوا عليه : نحن لا نفهم مما تقول شيئاً ، وأنت ضعيف فينا ، ولولا أهلك لقتلناك وتخلصنا من إلحاحك علينا وإزعاجك لنا بما تقوله دائماً .
قال لهم شعيب : يا قومي اتقوا الله ، أيكون أهلي عندكم أعز من الله الخالق ، الذي خلقكم وخلقني وكل شيء خلقه وسواه .
آمن مع شعيب الضعفاء المساكين الفقراء ، ولكن الأغنياء الأقوياء لم يؤمنوا ( قال الملأ الذين استكبروا لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معم من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ) " الأعراف : 88 " .
ثم قالوا له : ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به .
فنجا الله شعيباً والذين آمنوا معه ، وأخذت الذين كفروا ( أهل مدين ) صاعقة شديدة مع زلزال عنيف فقتلوا وأهلكوا جميعاً .
أصحاب الأيكة
ذهب شعيب إلي أصحاب الأيكة ( والأيكة أشجار كثيفة متداخلة ببعضها ) وكانوا يعبدون الشجرة .
ذهب شعيب إليهم ونصحهم ودعاهم إلي عبادة الله الواحد ، ونصحهم بألا ينقصوا المكيال والميزان ، وألا يشتروا من الناس الأشياء بأرخص الأسعار وأقل منها من ثمنها ، وألا يسرقوا الناس في الميزان ولا يفسدوا في الأرض .
فقالوا له : إنما أنت مسحور ؟ ونحن متأكدون أنك أيضاً مجنون .
آمن مع شعيب الضعفاء والفقراء ، واستمر قوم شعيب يؤذونه والذين آمنو معه ، وظلوا علي جحود هم بآيات ربهم ، وعلي كفرهم وعنادهم .
استمروا يقطعون السبيل علي القوافل ويسرقون أموالهم وأمتعتهم ويبيعون ويشترون بنقص أشياء الناس والزيادة لهم .
وشعيب مازال ينصحهم ويدعوهم أن يكفوا عما يفعلون .
لكنهم طالبوه بأن يجعل الله يسقط عليهم كسفاً من السماء إن كان صادقاً . فأخذهم الله بعذاب شديد .
سلط الله عليهم الحر سبعة أيام ثم ظهرت سحابة في السماء فأسرعوا يقفون تحتها ويستظلون بها ، فإذا بها تخرج عليهم ناراً تحرقهم ، وأهلك أهل مدين بصيحة هائلة .
وهلكوا جميعاً ، وأنجي الله شعيباً والذين آمنوا معه .
كان لشعيب ابنتان جميلتان مؤدبتان ، وكانت البنتان تخرجان لرعي الأغنام بعدما كبر والداهما، ومن إحداهما سوف يتزوج نبي الله موسي .
الاعتبار والموعظة
لاحظتم يا أبنائي أن الصلاة تحدث عن الكفرة فذكروا أنها غيرت أوضاع المؤمنين مع شعيب ، فتركوا الغش والسرقة في الموازين رغم سخريتهم من ذلك . فالصلاة صلة بين العبد وربه وهي تنهي الإنسان عن فعل الآثام والشرور فيظل الإنسان في تقوى الله مجتنباً ما يغضب ربه.
أيضاً في القصة دعوة إلي الأمانة والاستقامة وترك الغش في المكيال والإفساد في الأرض .
أكد شعيب لقومه أنه لا يفعل ما ينهاهم عنه ، وهذا هو مفهوم الإصلاح ، لأن السلوك الحسن يؤثر في الناس أكثر من القول ( الموعظة ) والخطب الجوفاء . فالله تعالي يقول وهو أصدق القائلين : ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) .