إبراهيم خليل الله
نشأ خليل الله إبراهيم في بلاد تعددت فيه العبادة لغير الله ، فمنهم من كان يعبد الأصنام ، ومنهم من كان يعبد النجوم والكواكب ، ومنهم من كان يعبد الملوك والحكام .
كان والد إبراهيم يصنع التماثيل التي يعبدونها .
أما إبراهيم فقد من الله عليه منذ صغره بنعمة الإيمان به والبحث الدائم عنه ، كان يبحث عن الخالق العظيم ، الذي أبدع الكون وخلقه فسواه .
قيل : إنه وهو في السابعة من عمره جادل أباه في هذه الأصنام التي يعبدونها وقال له : إن هذه الأصنام من حجارة صماء فكيف تكون آلهة ، ونحن نصنعها وهي لا تملك لنا ضراً ولا نفعاً .
كبر إبراهيم وأصبح فتيً وظل يبحث عن الإله عن الحق الذي يؤمن به في أعماقه ، الله الذي أوجد ما حوله .
فنظر إلي السماء فرأى كوكباً يلمع في السماء ، فرح إبراهيم وقال لنفسه : هذا ربي إنه ليس كالحجارة .
وبعد فترة اختفي الكوكب من السماء فقال إبراهيم لنفسه : لا يمكن أن يكون هذا هو الإله ، ثم ظل يواصل بحثه عن الله .
فرأى القمر مستديراً وكاملاً وقد أنار الليل حوله ( القمر حين يكتمل ينير ظلام الليل ) ففرح وقال : هذا ربي ، ولكن القمر غاب واختفي .
مضي إبراهيم حزيناً ، وظل ساهراً إلي الفجر يفكر ترى أين الله ؟ من هو ؟ فرأى الشمس وهي تشرق فقال : هذا ربي هذا أكبر .
ومالت الشمس إلي المغيب ، واختفت وحل الليل .
في تلك الأثناء ألقي الله في قلبه نور الإيمان به وسمو معرفته جل وعلا فأيقن إبراهيم أن الله هو الخالق ، خالق النجوم والكواكب والقمر والشمس والليل والنهار ، والسماوات والأرض ، والإنسان والطير ، والحيوانات والوحوش والدواب ، والخضرة والزرع والنخيل . سبحانه جل شأنه .
اطمأن قلب إبراهيم بمعرفة الله والإيمان به .
وجد إبراهيم أباه ساجداً للأصنام من دون الله .
فقال له : يا أبي هذه الأصنام لا تسمع ولا ترى ولا تضر ولا تنفع .
فرد عليه أبوه : كف عن هذيانك هذا وجنونك وإلا قتلتك .
ثم طرده من البيت ، فرد عليه إبراهيم ، وكان إبراهيم يحب والده حباً شديداً : ( سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ) " مريم : 47 " .
خرج القوم في يوم عيد لهم ، طلبوا من إبراهيم أن يذهب معهم فادعي أنه مريض ، ودخل إلي فراشه ونام .
بعد خروجهم تسلل إلي المعبد وأخذ معه فأساً كبيراً ، ودخل إلي الأصنام ونظر إليها وإلي تلك القرابين التي وجدها عندها ( ذبائح ولحوماً ) .
فقال للتماثيل ساخراً : لماذا لا تأكلون ؟
وارتفع صوته بالضحك وهو يقول للأصنام : ما لكم لا تنطقون ؟
ثم هوى بالفأس عليها جميعاً فحطمها .
وترك تمثالاً واحداً وضع في رقبته الفأس ، وتسلل خارجاً إلي داره ونام في فراشه .
دخل قوم إبراهيم المعبد ، ووجدوا أصنامهم مكسورة ومهشمة إلا كبيرهم فأخذوا يصرخون ويصيحون ويتوعدون : من فعل بآلهتنا هذا ؟
ثم أعلنوا أنه إبراهيم وأحضروه ليحاكموه .
سألوه : أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟
قال إبراهيم في سخرية وهو يشير إلي كبير الآلهة الذي وضع في رقبته الفأس : بل فعله كبيرهم هذا فسألوه إن كانوا ينطقون .
فقالوا : إنهم لا ينطقون .
قال لهم : إذا كانوا لا ينطقون فكيف تعبدون من لا يستطيع أن يضركم أو ينفعكم ، أين عقولكم ، هذه الحجارة كيف تكون آلهة وهي لا تستطيع حتى أن تدافع عن نفسها .
فقالوا له : سوف نلقيك في النار لأنك كسرت آلهتنا .
حفروا حفرة كبيرة جداً وملأ وها بالحطب والخشب وأشعلوا فيها النار وقيدوا إبراهيم بالحبال ثم ألقوه في النار .
كانت النيران شديدة وقوية ، وابتعد الناس عنها من شدة لهبها ، أمر الله تعالي النيران فقال لها :
( قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً علي إبراهيم ) " الأنبياء : 69 " .
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنها أنه قال : حين ألقوا إبراهيم في النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل .
نظر الناس جميعاً فرأوا النار لا تحرق إبراهيم بل إنه يجلس في وسطها يسبح الله ويصلي له .
أكلت النيران نفسها وخرج إبراهيم من النار سليماً كما دخلها ، ولم يتأثر بها ، ولا حتى ثيابه .
وقيل : إن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه لأنه لم يصبه من النار شيءً غير العرق .
إبراهيم والنمرود
كان النمرود ملكاً ظالماً كافراً يدعي الألوهية .
فذهب إليه إبراهيم يدعوه إلي دين الله .
فقال له النمرود : ماذا تقول يا إبراهيم ، وماذا يقول إلهك ؟
قال إبراهيم : إن ربي يحي ويميت .
قال النمرود : أنا أحيي أمييت .
وأمر بإحضار رجلين وأمر بقتل أحدهما وترك الآخر ، ونظر إلي إبراهيم وقال له : أرأيت لقد أمت هذا وأحييت هذا .
قال إبراهيم : إن ربي يأتي بالشمس من المشرق فآت بها من المغرب .
فبهت الذي كفر ، ولم يستطع النمرود الإجابة .
إبراهيم في مصر
أخذ إبراهيم يدعو إلي دين الله ويجوب البلاد حتى وصل إلي مصر ، كان إبراهيم قد خرج من بلده وبصحبته زوجته ومعهما ابن أخيه لوط عليه السلام .
في مصر أهدى الملك لسارة – زوجة إبراهيم – جارية جميلة تدعي هاجر . طلبت سارة من إبراهيم أن يتزوج من هاجر حتى تنجب له الولد ، لأنها كانت لا تنجب ، وقد كبرت في السن .
فتزوج إبراهيم من هاجر وولدت إسماعيل عليه السلام .
وذات يوم أمر إبراهيم هاجر أن تحمل طفلها ، لأنه سيأخذ هما ويرحل بهما ، وسار إبراهيم بهما حتى وصل صحراء لا زرع فيها ولا ماء ثم تركاهما ومضى .
نادته هاجر وقالت : أربك أمرك أن تفعل هذا ؟
قال : نعم .
قالت هاجر : إذن لن يضيعنا الله .
توجه إبراهيم إلي ربه داعياً : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ) " إبراهيم : 37 "
بئر زمزم
بعد يومين نفذ الماء من هاجر وأحست بالعطش وبدأ إسماعيل يبكي من الجوع ، فخرجت تبحث عن قطرة ماء ، فوصلت إلي جبل الصفا صعدت إليه ، فلم تر أحداً ثم نزلت ، ووصلت إلي جبل المروة ، ولم تجد أيضاً لا ماء ولا زرع ولا أي مخلوق .
ظلت تسعي بين الصفا والمروة في حير ة وقلق سبع مرات .
( هذا هو السعي بين الصفا والمروة في الحج الآن ) .
أخذ الشيطان يوسوس لها أن إبراهيم قد تركك أنت وإسماعيل لكي تموتا من العطش في هذه الصحراء .
فراحت تأخذ الحصى ( حجارة صغيرة جداً ) وترميه بها .
( وهذه شعيرة من شعائر الحج ، شعيرة رمي الجمرات ) .
في طريق عودتها من بين الصفا والمروة كانت تقول بإيمان : لن يضيعنا الله .
عادت إلي إسماعيل وقد أنهكها العطش والخوف علي صغيرها فوجدت إسماعيل يلهو في الماء وقد شرب وارتوى ، وكان إسماعيل وهو يبكي قد ضرب الأرض بقدميه فتفجرت عين الماء ( بئر زمزم ) شربت هاجر ، وحملت طفلها وأخذت ترضعه وحمدت الله كثيراً .
مرت إحدى القوافل فرأوا الماء وشهدوا هاجر وطفلها وكانوا يعلمون أن هذه البقعة لا زرع فيها ولا ماء .
فأدركوا أن هذا الوليد طفل مبارك ، فاستأذنوا هاجر أن يقيموا بجوارها .
نصبوا الخيام وعمروا المكان وجاءت قوافل كثيرة وأقامت معهم .
هذه هي دعوة إبراهيم عليه السلام حين ترك إسماعيل وهاجر : ( ربنا إني أسكنت ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات ) " إبراهيم : 37 " .
مرت الأيام وجاء لإبراهيم ليطمئن علي هاجر وإسماعيل فوجد الخيام الكثيرة ، فتعجب وتذكر رحمة الله والدعاء ، فحمد الله كثيراً ، وصلي له شكراً وانصرف عائداً إلي سارة .
كان إبراهيم بين الحين والآخر يعود إلي إسماعيل وهاجر يطمئن عليهم .
البشارة بإسحاق عليه السلام
بينما كان إبراهيم جالساً في بيته عند سارة رأى ثلاثة شبان يقتربون منه ويقرئونه السلام .
رحب بهم وأدخلهم منزله ، وذبح لهم عجلاً وشواه وقدمه إليهم فلما رأى أيديهم لا تمتد إليه خاف منهم .
تساءل إبراهيم في نفسه : ترى ماذا يريدون ، ولماذا لا يأكلون ؟
فقالت له الملائكة : لا تخف نحن ملائكة الله وقد أرسلنا الله إلي قوم لوط .
كانت سارة واقفة تتابع ما يحدث ، فالتفتت إليها الملائكة وبشروها بالحمل والإنجاب ، قالوا لها : إن شاء الله يبشرك بإسحاق .
فتعجبت سارة وأخفت وجهها بكفيها وقالت : ( أألد أنا عجوز وأنا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب ) " هود : 72 " .
فقالت لها الملائكة : ومن وراء إسحاق يعقوب ، ستعيشين وترين إسحاق يتزوج وينجب يعقوب .
بعدما تلقي إبراهيم وسارة البشارة بإسحاق وفرح وسعادة تحدث إبراهيم مع الملائكة وسألهم : هل ستهلكون القرية لفساد أهلها وبها من المؤمنين ثلاثمائة ومعهم ابن أخي لوط .
قالت الملائكة : نحن أعلم بمن فيها ، وطلبوا منه أن يكف عن مجادلتهم في أمر هذه القرية لأن المؤمنين ولوطاً سوف يخرجون من القرية لأن أمر الله قد جاء بهلاك هذه القرية الكافرين .
الدروس والعبر
هو من الأنبياء أولو العزم .
يعطينا إبراهيم علية السلام دروساً في الشجاعة والإقدام والاستماتة في سبيل الإيمان والعقيدة ، والتضحية بالنفس والولد ، قصة ( النار التي ألقي فيها ، ورؤيا ذبح إسماعيل ) .
قلب إبراهيم الحنون الكبير الخالي من الأحقاد والخصال الذميمة الذي وسع الناس جميعاً ، وأحب لهم الخير وترك عبادة الأصنام ، ودعا الله لأبنائه أن يجنبهم عبادة الأوثان ، وأن فيهم رسولاً منهم هو محمد صلي الله عليه وسلم .
الذبيح
إسماعيل عليه السلام
حين ولد إسماعيل – عليه السلام – كان أبوه يبلغ من العمر ستة وثمانين عاماً .
بعد مولده تركه إبراهيم مع أمه هاجر في جبال فاران ( مكة المكرمة ) ولم يكن معهما من الماء إلا أقل القليل .
تركهما وانصرف ثقة بالله وتوكلاً عليه ، وتنفيذاً لأمر الله .
الذبيح
لما كبر إسماعيل وأصبح فتيً ، رأى إبراهيم في المنام أنه يذبحه ، ورؤيا الأنبياء حق . ذهب إبراهيم إلي إسماعيل وقال له : ( قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ) " الصافات : 102 " .
رد عليه إسماعيل بإيمان المسلمين وتقوى المرسلين : ( يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) " الصافات : 102 " .
أرقد إبراهيم ولده إسماعيل علي الأرض وجعل وجهه إلي أسفل حتى لا يراه وهو يذبحه .
هم إبراهيم بذبح إسماعيل ، ناداه الله : ( يا إبراهيم . قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزى المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم ) " الصافات : 104 – 107 " .
نظر إسماعيل وإبراهيم ، فوجدا أمامهما خروفاً كبيراً وسميناً فذبحه إبراهيم وسجد لله شكراً .
وأصبح هذا اليوم هو يوم النحر و( عيد الأضحى ) .
وقد قيل : إن هذا الخروف الذي أهبط إلي الأرض هو نفسه الذي قربه هابيل . والله أعلم . ( ابن كثير في قصص الأنبياء عن حديث للطبري في تاريخه 1\277\المعارف ) .
تعلم إسماعيل العربية من القبائل التي نزلت بجوارهم ، كما أنه روض الخيل ، وكان أول من ركب الخيل .
ذهب إبراهيم ذات يوم يزور إسماعيل بعد زواجه فلم يجده ، ووجد زوجته فسألها عنه ؟
فقالت : خرج .
فقال لها إبراهيم عليه السلام : كيف حالكم وعيشتكم ؟
فقالت له : في أسوأ حال وضيق وشدة ، ولم تضيفه .
فقال لها إبراهيم عليه السلام : إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام ، وقولي له يغير العتبة .
فلما جاء إسماعيل وسألها : هل جاءنا ضيوف ؟
فلما أخبرته لما قاله أبوه ، قال لها : إنه أبي وقد أمرني أن أطلقك ، وطلقها .
ثم تزوج أخرى ، وجاء إبراهيم ليزوره ولم يجده ، فسأل زوجته عنه ، وعن حالهم وعيشتهم ؟
فقالت : نحن بخير حال والحمد لله ، ورزق الله لنا كثير ووفير ، فدعا لهما بالبركة في الطعام .
ثم قال لها : إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له أن يثبت عتبة داره .
فلما جاء إسماعيل وحكت له ما حدث .
فقال لها : إن أبي قد أوصاني ألا أفارقك ، لأنك امرأة صالحة ، وتحمدين ربك دائماً ، وتكرمين الضيف .
وحكي عنه القرآن الكريم فقال : ( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً . وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة عند ربه مرضياً ) " مريم : 54 : 55 " .
البيت العتيق
الكعبة المشرفة
( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين ) .
حدد الله مكان الكعبة لإبراهيم ، ودلته الملائكة علي المكان ، وبدأ إسماعيل وإبراهيم يبنيان البيت ، ويدعوان الله ويقولان : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) .
ظل إبراهيم وإسماعيل ينقلان الحجارة ويعليان البيت ، وهما يدعوان الله : ( ربنا واجعل مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك أرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم . ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليك آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )
" البقرة : 128 – 129 " .
وانتهي بناء الكعبة وأراد أن يضع حجراً متميزاً مختلفاً في اللون عن باقي الحجارة ، يبدأ من عنده الطوفان حول الكبة .
فطلب من إسماعيل أن يأتيه بهذا الحجر .
ذهب إسماعيل ليحضر الحجر ولكنه عاد دون أن يأتي بالحجر الذي طلبه منه والده .
وفوجيء أن الحجر الأسود موضوع في مكانه من الكعبة .
فسأل أباه من أين جاء الحجر ؟
قال له إبراهيم : أحضره جبريل عليه السلام .
وانتهي بناء الكعبة .
وتحققت دعوة إبراهيم حيث بعث الله تعالي خاتم المرسلين محمداً – صلي الله عليه وسلم - .
الدروس المستفادة
1- طاعة الوالدين والبر بهما .
2- تضحية الابن لرؤيا والده .
3- وما يصدر كل هذا إلا عن تقوى الله ومحبته يا أبنائي .
4- رفع البلاء والابتلاء عن إسماعيل وإبراهيم : ( وفديناه بذبح عظيم ) لإيمانهما وطاعتهما لله.