نبي الله
هود عليه السلام
( إرم ذات العماد )
بعد الطوفان وغرق الكفار جميعاً ، عاش المؤمنون الذين نجوا مع نوح يعمرون الأرض تزوجوا وتكاثروا وأصبحوا قبائل كثيرة انتشرت في أرجاء الأرض . وعادت الحياة إلي الأرض مثلما كانت قبل الطوفان .
ونسي الناس عبادة الواحد الأحد وراحوا يعبدون الأصنام ، وسوس الشيطان لهم وزين لهم عبادة الأوثان .
فقد قال أحفاد نوح : حتى لا ننسي آباءنا الذين نجاهم الله من الطوفان نصنع لهم تماثيل تذكرنا بهم .
ومع مرور الأيام ، أصبحوا يقدسون ويعبدون هذه الأصنام .
وكانت قبيلة عاد تعيش في اليمن في منطقة تطل علي البحر وحولها جبال من الرمال ، وكانت منازلهم لها أعمدة ضخمة جداً وعالية جداً وكانوا هم أصحاب أجسام قوية ضخمة ، حصنوا بلادهم بالقلاع وبنوا المصانع وغرتهم قوتهم فتكبروا بها وتجبروا وتباهوا بأنفسهم ، وكانوا يقطعون السبيل علي القوافل ويغيرون عليها ويأخذون أموال القوافل وبضاعتهم ، وعميت قلوبهم فكفروا بالله وزين لهم الشيطان عبادة الأصنام .
رسول الله هود عليه السلام
بعث الله لهم هوداً عليه السلام ليدعوهم إلي عبادة الله الواحد الخالق ويرشدهم إلي طريق الهدى ، وترك عبادة الأصنام ، فسخروا منه وكذبوه واتهموه بالجنون والسفه .
قال لهم هود : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) " هود : 50 " .
سألوه ماذا تريد ؟ هل تريد أن تكون سيدنا ؟ أم تريد مالاً أجراً ؟ أم ماذا تريد منا ؟
قال لهم هود : إنني لا أريد منكم أجراً لأن أجرى علي الله ، إنني أريدكم أن تذكروا آلاء الله ونعمه عليكم ، لقد جعلكم الله خلفاء قوم نوح قوم نوح المؤمنين الذين نجوا من الطوفان ، لقد أعطاكم الله قوة في الجسم ( بسطة طول ) وأسكنكم أرضاً كلهم خيرات وثمرات ، أرسل عليكم المطر رسول خير وليس كما كان في الطوفان نذير شر .
فنظروا إليه وقالوا : ( من أشد منا قوة ) " فصلت : 15 " .
قال لهم هود : إن الله الذي خلقكم هو أشد منكم قوة .
حدثهم هود عن يوم القيامة يوم يبعثهم من الموت ، فضحكوا منه وسخروا وقالوا : ألم نقل إنك مجنون ، كيف إذا متنا وكنا تراباً وعظاماً نعود إلي الحياة ؟ ما نحن بمصدقين لك ، إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين .
قال لهم هود : إن يوم القيامة هو يوم العدل ، يوم يفصل فيه الله بين الناس بالحق والعدل ، فمن يعمل الصالحات يدخل الجنة ، ومن يكفر ويضل ويعمل السيئات يدخل النار ، يا قوم هل يستوي المؤمن والكافر ؟
قال أكابر قومه الأغنياء المتكبرون : إنك بشر مثلنا ، تأكل مثلنا مما نأكل وتشرب مثلنا ، كيف نستمع لك ، ونؤمن بما جئت به ، وأنت فقير لا تملك شيئاً .
ثم قالوا له : لماذا اختارك ربك من بيتنا ؟ أنت بالذات ليوحي إليه ؟
رد عليهم هود : لقد أراد الله لكم الخير ، فأرسل لكم واحداً منكم ليحذركم ويذكركم بقصة الطوفان وما حدث لقوم نوح ، لقد هلك الكافرون وسيهلك الله الذين يكفرون دائماً .
قالوا له : أتقول إن إلهك سيهلكنا ؟لا يا هود إن آلهتنا سوف تعصمنا وتنقذنا ، واستمر هود يدعوهم إلي عبادة الله الخالق ، وهم يزدادون استكباراً وعناداً وعتواً .
قال لهم : إن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر ، ولن تغني عنكم يوم القيامة من الله شيئا .
قالوا له : يا هود إن آلهتنا قد غضبت عليك ، فأصابتك بالجنون ، ونحن لن نترك عبادة آلهتنا ، ولن نؤمن لك .
قال لهم هود : إني أشهد الله أني بريء مما تشركون ، وآلهتكم هذه لا تضر ولا تنفع ، إني توكلت علي الله هو ربي وربكم ، إن الله قادر علي أن يهلككم ويأتي بقوم خير منكم مؤمنين .
قالوا له في تحد وتكبر وعناد وغرور : اذهب وائتنا بعذاب الله والهلاك الذي تتوعدنا به ( قال إني أشهد الله واشهدوا أني بري مما تشركون . من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون ) " هود : 54، 55" .
قال لهم : إنني لا أهتم بكيدكم لأن أمري أمركم بيد الله ، فالله وحده الذي يعصمني منكم إن أردتم بي السوء ، أني علي الله توكلت فهو حافظي وملاذي .
انتظر هود وانتظر قومه أمر الله .
قال المفسرون : أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنوات حتى أرهقهم ذلك وبدأ الجفاف في الأرض ، وذهبوا إلي هود يسألونه ، فقال لهم : إن الله غاضب عليكم ، يا قومي فاستغفروا الله وتوبوا إليه وتوبوا إليه وآمنوا به إنكم إن آمنتم لزادكم الله قوة إلي قوتكم ، وأرسل لكم المطر ، وفتح عليكم نعمه
فتركوه ومضوا وهم يسخرون ، وظلوا في عتوهم وجهلهم وعنادهم وكفرهم ، وازداد جفاف الأرض حتى يبست تماماً ومات الزرع .
وذات يوم رأوا سحابة كبيرة تملأ السماء ففرحوا ورقصوا .
وقالوا : هذا عارض ممطرنا ،لقد استجابت لنا آلهتنا ، وها هي تبعث لنا الأمطار . ولكن الجو تغير فجأة من الجفاف الشديد والحر الشديد إلي الرياح القوية والبرد القارص . أخذت الرياح تعوي وتزأر ، ارتعش النساء والرجال ، وكل ما كان علي الأرض من خيام .
استمرت الرياح ليلة وراء ليلة ، تدخل داخل مسامهم وتفتتها ، وكانت الرياح تشتد بالبرد القارص سلطها الله تعالي عليهم ثمانية أيام وسبع ليال ، ولم تترك لهم قائمة ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فتى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) " الحاقة : 7 " .
نجي الله هوداً والذين آمنوا معه ، ولم يبق من قومه إلا كما يبقي من النخيل الميت ، أصبحوا ذرات في الهواء .
الدروس المستفادة
الأمر بالاعتدال في المعيشة ، والنهي عن الإسراف والبذخ ، فقد كانوا يبنون بيوتاً وقصوراً فخمة ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون ) كانوا يبنون القصور فيها ولا يسكنونها .
توكله علي الله وقوته في الحق وإيمانه بالله .
لم يخافهم رغم ضخامتهم وكثرتهم .
نجاة المؤمنين بصدق إيمانهم .
الريح العقيم التي أرسلت عليهم فلم تأت لهم بمطر ولم تلقح شجرة وفوق كل ذلك كانت مهلكة ومدمرة وتركت كل شيء كالرميم.