أولو العزم من الرسل :
نوح عليه السلام
بعد وفاة آدم تكاثر الناس وازدادوا وأضلهم الشيطان ، ونسوا الله ، فصنعوا من الحجارة تماثيل يعبدونها فقدسوها وسجدوا لها .
فبعث الله لهم نوحاً - عليه السلام - ليدعوهم إلي عبادة الله الواحد الأحد .
فقال لهم نوح : إن الله هو الذي خلقكم وهو الذي أعطاكم السمع والأبصار والأفئدة ، الله خلق لكم أيدي تعملون بها وتأكلون بها ، وأعين ترون بها ، وخلقكم أطوارا .
الله أرسل لكم السحاب الذي ينزل من السماء المطر الذي تزرعون به الأرض ،الله خلق لكم الأنهار تأكلون منها الأسماك وجعلكم خلائف الله أمدكم بالأموال والبنيين والحفدة .
قالوا له : يا نوح لا نفهم كثيرا مما تقول .
قال لهم نوح : إن الله أعطاكم العقل لتميزوا به بين الحق والباطل ، فكيف تصنعون آلهة وتعبدونها من دون الله ، وهي أصنام لا تملك لكم شيئا ؟
قالوا له : ماذا تريد ؟ هل تريد أجراً لك ؟
قال لهم : انني رسول ربكم ، ولا أريد منكم إلا أن تؤمنوا بالله الذي خلقكم ، يا قومي إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم .
قال له : إنك لمجنون ، إننا لن نترك ما كان يعبد آباؤنا مهما تقول .
ظل نوح يدعو قومه ليلاً ونهاراً ، وكلما دعاهم زادوا في ضلالهم واستكبارهم واتهموه بالبخل والجنون .
ثم قالوا له : إذا كنت تريد أن نصدقك اطرد هؤلاء الفقراء الذين اتبعوك حتى نتبعك نحن ، هل تريد أن تسوى بيننا نحن الأغنياء الأقوياء وهؤلاء الفقراء .
قال لهم : إنني لن أطرد الذين آمنوا معي ، إني أخاف الله رب العالمين إنكم قوماً تجهلون .
فهددوه وقالوا له : لو لم تكف عما تقول لنا قتلناك .
توجه نوح إلي ربه حزيناً وقال : ( رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً . فلم يزدهم دعائي إلا فراراً . واني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم وإستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ) .
كان قوم نوح كلما ذهب نوح ليدعوهم إلي عبادة الله الواحد ، رفعوا ثيابهم وغطوا بها وجوههم ، وسدوا آذانهم بأصابعهم حتى لا يستمعوا إلي ما يقول .
لما رآهم نوح علي هذه الحالة رفع صوته عالياً وقال لهم : يا قومي إني أخاف غضب الله عليكم وعذابه لكم .
فنظروا إليه وكشفوا وجوههم ورفعوا أصابعهم من آذانهم وقالوا بحنق وغيظ : ائتنا بالعذاب الذي تهددنا به ولا تعود إلينا أبداً وإلا رجمناك وقتلناك .
قال لهم نوح : الله يأتيكم به إن شاء الله ويعذبكم .
اشتكي نوح إلي الله ما يجد من قومه وما يفعلونه به .
قال نوح : ( رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا ) .
وبكل عزيمة وصدق وإصرار وإيمان عاد يدعوهم من جديد ، وهم في طغيانهم وكفرهم ماضون فقالوا له : لقد ناقشتنا فأكثرت وأتعبتنا وأجهدتنا فائتنا بالعذاب الذي تخوفنا به إن كنت صادقا .
قال نوح : إنكم لن تعجزوا الله لو أراد أن يهلكهم ، فهو سوف يهلكهم إن شاء : ( قال رب إن قومي كذبون . فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين ) " الشعراء : 117 ، 118 " .
استجاب الله لنوح وأوحي إليه أن يصنع سفينة كبيرة وضخمة جداً ويحمل فيها الذين آمنوا ومن كل شيء زوجين اثنين .
نوح يصنع الفلك
ابتدأ نوح يصنع السفينة من أخشاب الأشجار وكان الكافرون حين يمرون عليه ويجدونه يعمل في السفينة بهمة ونشاط سخروا منه وتغامزوا عليه وضحكوا .
وقالوا له : ألم نقل إنك مجنون ، الآن تأكدنا أنك مجنون حقاً ، تقول إنك رسول الله ! فلماذا تصنع سفينة وليس هنا ماء لتجرى فيه سفينتك يا مجنون ؟!.
قيل : إن نوح ظل يعمل في السفينة سنوات طويلة لا يدرى إلا الله عددها ثم أمره الله أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر أنواع الطير وكل ما علي الأرض من مخلوقات وغيرها لبقاء النوع .
ويحمل المؤمنين وأهله الذين آمنوا منهم معه .
كانت زوجة نوح كافرة مثل قومها .. وأحد أبناؤه أيضًا لم يؤمن .
الطوفان
وعد الله لقوم نوح
لما انتهي نوح من صنع السفينة ، وانتظر نوح قومه وعد الله ، أوحي الله تعالي إلي نوح علامة بدأ الطوفان : ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ) " هود : 40 " .
قيل : إن التنور هو الفرن الذي كان في بيت نوح .
خرج الماء من الفرن ، فأدرك نوح أن أمر الله قد نفذ في الذين ظلموا
أسرع نوح والمؤمنون إلي السفينة ليصعدوا عليها .
وقيل : إن جبريل عليه السلام هبط إلي الأرض وحمل مع المؤمنين إلي السفينة من كل طير زوجين اثنين ، وكذلك الوحوش أيضًا ، وصعد المؤمنون السفينة وصعد نوح .
نادى نوح علي ابنه فقال : ( يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ) " هود : 42 " .
فرد عليه ابنه وقال : ( سآوي إلي جبل يعصمني من الماء ) " هود : 40 " .
عاد نوح ينادى ابنه وهو خائف عليه : ( لا عاصم اليوم من أمر الله ) " هود : 43 " .
تفجرت ينابيع الماء من الأرض بقوة وبكثرة السماء انفتحت وأسقطت سيولاً من المطر كبيرة وغزيرة ، فاجتمع سيل السماء وماء الأرض فحدث الطوفان العظيم ( وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وهي تجرى بهم في موج كالجبال ) " هود : 41 ، 42 : .
سبحان ربنا كم كانت الأمواج عالية لدرجة أنها كانت تطول الجبال .
ثم أمر الله سبحانه الأرض أن تبلع ماءها ، وأن تكف السماء عن المطر بعد أن هلك قوم نوح تمامًا ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي غيض الماء وقضي الأمر واستوى علي الجودى وقيل بعدًا للقوم الظالمين ) .
والجودى قيل هو الجبل ، وأمر الله نوحًا ومن معه أن يهبطوا إلي الأرض : ( قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلي أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ) "هـــــــود:48 ".
لما نزل نوح والمؤمنون معه إلي الأرض بعدما جف الماء توجه إلي الله بالدعاء وقال له : إن ابني من أهلي ، فرده علَّي .
كان نوح يتصور أن ابنه مؤمن ، ولكنه هلك في الطوفان ، فطلب من الله أن يحييه له ، فأخبره الله أن ابنه ليس مؤمنًا ، وليس من أهله ، لأنه كافر . فاستغفر نوح ربه . وعادت الحياة إلي الأرض من جديد ، فأخذ المؤمنون يزرعون الأرض ويعمرونها من جديد .
الدروس والموعظة :
نوح : قوة الإيمان والصبر والعزيمة .
من أجمل الصفات التي يجب أن يتحلى الإنسان بعد الإيمان بالله فضيلة الصبر والعزيمة ، وهما سمتان جميلتان .
ونوح عليه السلام كان مثالاً للعزيمة القوية ، واستمر علي عقيدته وعزيمته فواصل الدعوة ليلاً ونهاراً رغم ما كان يلقاه من الكافرين المتكبرين ، وقيل : إنه مكث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً .
والقرآن الكريم يرشدنا ويدلنا علي أن الإيمان والأعمال الصالحة هما سبيل السعادة في الدارين .
فامرأة نوح وامرأة لوط هلكتا بسوء أعمالهما وكذلك ابن نوح .