17 ] .
استحت أن تتعلَّم القرآن ، وعدَّت تعلمه نقيصة ومثلبة ، ورضيت أن تكون به جاهلة ، وما علمت أنه سبيل التربية وطريق التزكية !
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) .
لقد غدا كتاب الله تعالى عندها نسيًا منسيًا ، واتخذته وراءها ظهريًا ، فلا تقرأه إلا فيما ندر ، ولا تتصفحـه إلا فيما قلَّ . قال تعالى : ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا ) [ الفرقان : 30 ] .
استبدلت كتاب الله تعالى بالمجلات الخليعة ذات الفكر المنحرف والمنهج المختلف ! تقرأ الجرائد قليلة الفوائد ! تتصفح مجلات الفن والغناء ، والموضة والأزياء ، وربما تهتم بالإصدارات الرياضية ! وتتابع أخبار الفن والطرب والمسلسلات والأفلام ، وتقرأ قصص الغرام والهيام ، وغير ذلك من الآفات والمهلكات ..
ثم لا يحن لها قلب لتقرأ من كلام الرب !
ولا تذوب لها حشاشة شوقًا إليه وحبًا فيه ..
ما سحَّت عينها بدمعة عند تلاوته ، ولا رقَّ لها قلب عند الترنم به ، ولا لان لها جلد عند قراءة آياته الباهرة ومعجزاته القاهرة !
فلا تكوني مثلها ، فهي من تهمل عينها حزنًا لما ترى في مسلسلات السوء من لقاء وفراق ، وتلوع واشتياق ..
وهي من تهطل عبراتها عندما تسمع أغنية عاطفية تستنزف عواطفها ومشاعرها ، وهي من تجود محاجرها دون حدود عندما تقرأ قصَّة غرامية بين عاشقين ميتمين ..
ولو سألتيها عن عظائم المسائل في العلم الشرعي فيما يخص صحة عبادتها ، وشرط قبول عملها ، ومما لا يجوز لها الجهل به في دينها ، لقالت لكِ في حيرة مرَّة : ها .. ها .. لا أدري !
مع أنها معجم مفهرس ، وأرشيف جامع لأخبار الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات .. فهي تعلم أخبارهم ، وتعرف أسرارهم ، وتتابع - في نهم بالغ - وقائع حياتهم ومواقع أحداثهم ..
وغدت كقدح السوء لا يمتلئ إلا بكلِّ سوء !
قال تعالى : ( يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) [ الروم : 7 ] .
• تضيع وقتها وتهدر عمرها فيما لا فائدة فيه ، ولا طائل خير يعود من ورائه .
وغفلت أن العمر ميدان السباق ، ومضمار التنافس ، ووعاء العمل ، فكيف تجرأت تلك المحرومة على إهدار وقتها ، وهو مادة عمرها وزمن بقائها ؟!
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
• تجلس الساعات الطوال أمام الشاشات تقلب القنوات ، وتتابع الأفلام والمسلسلات ، وتلاحق اللقاءات والمقابلات ، وتراقب المنوعات والممنوعات ..
وماذا بعد ذلك ؟!
وما الحصيلة مما رأت وسمعت ..
إيمان ضعيف ، ومعاصي تتضاعف ..
شهوة تتقلب .. ونزوة تتلهب ..
ميزانٌ عند الله يخف ، وقلبٌ يصيبه المرض أو التلف .
لذة تذهب وأذى يبقى ، متعة ترحل ولوعة تظل ، أمل يفقد وألم يولد !
فأين هي عن قول ربها : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) [ النور : 31 ] .
يا راميًا بسهام اللحظ مجتهدًا *** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** احبس رسولك لا يأتيك بالعطب
• تقف لساعات طويلة كالمسمار أمام المرآة ، تُصفف شعرها ، وتصبغ وجهها تجرِّب ذلك اللباس ، وتطرح الآخر ، حتى تملَّها مرآتها وتنشؤها أدواتها ..
وليس في التزين مثلبة ولا في التجميل متعبة ، فالله تعالى يقول : ( أومن يُنشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) [ الزخرف : 18 ] .
وإنما يكفي منه ما قلَّ ودلَّ ضمن ضوابط الشرع وموازين الدين ، ولكن المبالغة فيه سلبت الأوقات وسرقت الساعات ، وضاع العمر ، وانصرم الدهر ، والمحرومة ليس لديها خبر ! والغريب أنها إذا وقفت لدقائق معدودة لتؤدي صلاتها نقرتها نقر الغراب ، واستعجلت فيها دون استشعار لمعانيها ، أو تدبرٍ لما فيها وكأنما هي في سباق مع الرفاق !
أو قامت بها ، وهي كسولة في أدائها ، غافلة عمَّا تتلوا فيها ، متشاغلة بما حولها ، فهي ثقيلة على قلبها ، لا ينشرح بها الصدر ، ولا يتلذذ بها القلب ، ولا تستريح بها الروح . قال تعالى : ( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين [45] الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) [ البقرة : 45،46 ] .
• تنحني كالعرجون القديم بين يدي مصففة الشعر ومزينة الوجه ( الكوافيرة ) جُلَّ النهار وطرفًا من الليل ، وربما فاتت لذلك الصلوات ، وضاعت الذريات ، وضاقت بالأزواج الحياة ، وارتكبت من أجل ذلك كثيرًا من المحرمات مثل النمص - وهو حلق أو نتف أو تقصير شعر الجفن - ، والوصل - وهو إطالة شعر الرأٍس بالوصل فيه كالباروكات - وتفليج الأسنان للحسن ، والتشبه بالرجال ، ومشاكلة الكافرات أو الفاسقات من المسلمات في ملبسهنَّ وشعورهنَّ وزينتهنَّ ، ومشاكلة القالب دليل مشاكلة القلوب .
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ليس منا من تشبه بغيرنا ، ولا تتشبهوا باليهود ولا بالنصارى ... ) .
• ولاَّجة خرَّاجة من بيت إلى بيتٍ ، ومن سـوق إلى آخـر ، ومن مناسبة إلى مثلها . مشغولة - غاية الشغل ! - بمن تعرف من القريبات والصديقات .
ولو سألتيها عن أهل بيتها : أين هم ؟ وفيما يقضون أوقاتهم ؟ مع من يتحدثون ؟ ومن يصاحبون ؟ وما حاجاتهم العاطفية والعقلية والنفسية ؟
بل كيف دينهم ؟ ماذا يعتقدون ؟ وهل يصلون ؟ وماذا يقرؤون ويسمعون ؟ وفيما ينظرون ؟ لتمعَّر وجهها خجلاً من سؤال لم يخطر لها يومًا على بال !
فالتربية عندها ترتكز على تلبية حاجات الجسد ومتطلبات البدن من مطعم ومشرب ، وملبس ومسكن ومركب ، أما العقل والقلب فلا تدري عنهما ، ما غذاؤهما ؟ وكيف يحيان ويموتان ؟ وما وسائل تزكية النفس ؟! وتهذيب الروح ؟!
فلا تسأليها عما لا يعنيها فلا جواب لديها !
ليس اليتيم من انتهى أبواه من *** همِّ الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أمًا تـخـلَّـت أو أبًا مـشـــغـولاً
• تجلس مجالس اللهو والسهو ، والغفلة والزلة ، والغيبة والنميمة ، والقيل والقال ، وكثرة الحديث والسؤال ، مع فارغات عاطلات بطَّالات مثلها لا يحسنَّ إلا السلام والكلام ومضغ الطعام ، في مجالس لا يذكر الله تعالى فيها إلا قليلاً .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما جلس قومٌ مجلسًا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترةٌ ، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر هم ) .
وعنه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من قومٍ يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة ) .
ديدنهنَّ في مجالسهنَّ أخبار النساء وأسرار البيوتات ، وأنواع الزينة والمفروشات ، وأصناف الطعام وأذواق المأكولات ، والحديث عن السفر والأسواق ، والكلام عن هذا وهذه ، وذلك وتلك ، وهؤلاء وأولئك ..
وأقل الأحوال ضياعها في الحلال !
عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله حرم عليكم عقوقَ الأمهات ، ومنع وهات ، ووأد البنات ، وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ) .
ولا تكاد تخلو مجالسهنَّ - وللأسف - من محرم ومأثم ، كالغيبة وهي فاكهة مجالسهن ولذة ألسنتهن ومتعة آذانهن .
• شُغلت بعيوب الناس ونسيت عيوبها ، وتكلَّمت في نقائص غيرها وسكتت عن نقائصها ، ورأت القذاة في عين أختها ولم ترى الجذع منصوبًا في عينها ، وذاك من الخذلان والحرمان !
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتتصدق ، وتؤذي جيرانها بلسانها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا خير فيها ، هي من أهل النار ) . قالوا : وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأتور الإقط ولا تؤذي أحدًا . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هي من أهل الجنة ) .
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قلت : يا رسول الله ، حسبك من صفية كذا وكذا ، وقالت بيدها هكذا ، كأنها تعني : قصيرة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ) .
يروى أن رجلاً وقف أمام والدته التي كانت تؤذي المسلمين بلسانها ، وهي تجود بنفسها ، وكانت تعاني من سكرات الموت وكرباته ، وكأنما أطبقت جبال الدنيا على صدرها ، وكأنها تتنفس من خرج إبرة ، وكأنما السموات وقعت على الأرض ، فأخذ يذكرها بالشهادة ليختم لها بخاتمة السعادة .
فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ) .
فرفعت بصرها إليه ، وقالت : يا بني إنها أثقل عليَّ من الجبال الراسيات ، وقد حيل بيني وبينها فلا أستطيع نطقها ، ماتت ولم تقلها .
وصدق الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [ إبراهيم : 27 ] .
• تفرُّ من الذكر ، وتهرب من مجالس الخير ، ويضيق صدرها بكل نصيحة مخلصة ، تضيق عليها الأرض بما رحبت إذا ذُكِّرت بالله أو بشرعه ودنيه .
لا تريد أن تسمع ممن يحذرها عاقبة تفريطها أو ينذرها سوء منقلبها ..
فهي تحب الغافلات ؛ لأنها منهنَّ .
وتكره الصالحات ؛ لأنهن يصادمن غرورها ، ويعارضن شهواتها ، ويحاربن نزواتها .. قد غدت أذنها تلقف ما يصبُّ فيها من الغناء الخليع الماجن الذي هو مزمار الشيطان ، وبريد الزنا ، وطريق الخنا ، ومهاد الفاحشة .. قال تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا أولئك لهم عذاب مهين ) [ لقمان : 6 ] .
* تسيء معاملة والديها ، ولا تُحسن إليهما ، بل تقسو عليهما ، وتستخف بهما ، وتستهزئ بفكرهما ، وتسخر من رأيهما ، وتخالف أمرهما ، وتفعل نهيهما .
* عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ) ؟ قلنا : بلى يا رسول الله . قال : ( الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ) وكان متكئًا فجلسَ ، فقال : ( ألا وقول الزور وشهادة الزور ، ألا وقول الزور وشهادة الزور ) .
لا تقوم بخدمتهما إلا كارهة لها ، متشاغلة عنهما ، متثاقلة لفعلهما ، وإذا جاءت إليها صديقة عمرها ورفيقة دربها قامت إليها ، وهشَّت لها ، وبشَّت في وجهها ، وهرعت لخدمتها ، نشيطة النفس ، منشرحة الصدر ، متهللة الأسارير !
فأين هي عن أولى الناس بحسن رعايتها وطيب عنايتها ؟!
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( أمك ) . قال : ثم من ؟ قال : ( أبوك ) .
• يلم بها الألم ، ويسمها السقم ، وتقع عليها البلايا - ببعض الخطايا - فتبحث عن سبيل النجاة والخلاص على أيدي السحرة والدجالين ، والكهنة والمشعوذين ، الذين يخادعونها ، ويلعبون بها ، ويستخفون بعقلها ، ويرجفون قلبها ، فتلتمس الشفاء لديهم ، والعافية عندهم ، وما علمت أنا خسرت دينها ، وأسخطت ربها ، وأغضبت خالقها .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا ) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) .
فأي ربح يساوي هذه الخسارة ؟! وأي غنيمة تعادل هذه المصيبة ؟!
فلا تكوني مثلها !
فإنها ستندم - يوم لا ينفع الندم - على العمر الضائع ، والاهتمام الفارغ ، والحياة الخاملة . ستتحسر على كلِّ لحظة مرت عليها لم تقربها من خالقها ..
سترجو الرجوع إلى الحياة الدنيا الفانية مرة ثانية لتعمر العمر بمعالي الأمور ، ومحاسن الحسنات ، وبالباقيات الصالحات .. ولكن ، لا رجوع من بعد الممات لهذه الحياة ، وإنما بعثٌ ونشور ، بين يدي ملك الملوك ، ثم الحساب على ما اجترحت من سيئات وما أصابت من حسنات .. قال تعالى : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون [99] لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) [ المؤمنون : 99،100 ] .
فالآن .. الآن .. قبل فوات الأوان !
والساعة .. الساعة .. قبل وقوع الساعة !
فتكون الغفلة والإضاعة هي البضاعة .. فيا بئس البضاعة !
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدًا *** ندمت على التفريط في زمن البذر
فما لك يوم الحشر شيء سوى الذي *** تزودته يوم الحساب إلى الحشر